KONICA MINOLTA DIGITAL CAMERA

سيّدة ماسلو

ابتسام يونس

لست عرافة. لم يسبق أن انجرفت نحو ذلك. أو اتكأت في لحظات ضعفي لفكرة تُشير بأن كل شيء سيكون بخير. لأن كُل شيء لن يكون بخير. وعلى استعداد تام هذه المرة لأن أرسم كيف ستمتلئ الأرض بالدماء، مثلما لم يصورها التاريخ من قبل. وسنجني بشكل جمعي خطيئة إيماننا بالربيع العربي، لأن هذا ما كانت تُخطط له الحكومات مُنذ أن اعتلت بصدورنا شرارة الشغف الأول والكلام الطويل والرعشة التي استوطنت حناجرنا ونحن نُعبر عن إيماننا بالشباب وروح الشباب، قبل أن يتبدد كُل هذا الحريق ليأس وازرقاق. الهدوء لن يعم أرجاء المعمورة مادام السياسيون يضخون دمائنا في كل مرة يجتمعون -دون جدوى- لمباحثات تُطيل من عُمر الحرب بدلاً من السلام.

ورغم كُل هذا، لا صوت يعلو الآن على صوت الخداع. في كُل الشوارع والممرات، في كُل الشرايين والأوردة التي من الممكن أن يعبرها دم لتجديد الولاء للعام الجديد، والأرض قد تجد كذبة يُخلع عليها رداء الكلام. البعض يقول صغيرة وآخرون يرددون: بيضاء، رغم أن الكذب قد يتلطخ بكل لون عدا البياض. كذبة تشي بأن الأمل باقٍ ويتمدد، رغم إنه لا وجود سوى لليأس الذي قد تشير إليه مستشفيات الأمل للصحة النفسية في الشرق الأوسط، استناداً لتفاقم أعداد المرضى الذين أهدروا حفنة الأمل الأخيرة في سبيل المنطقة.

يأتي السؤال: “كم من الكتب يجب أن أُنهي هذا العام؟”، في محاولة لتجاهل كُل هذا الشغب الحاصل بالمنطقة. وصوت آخر: ملف الارهاب تم إغلاقه اخيراً. أضحك دون تقليل من شأن الشيء الأخير في البلد. الإعدام أخيرًا. مانشيتات رخيصة تعتلي الصحف. لا أحد يتوقع أن أسيادًا كهؤلاء، قد يقيمون الحفلة البربرية عليك لمجرد أنك متورط بحب الوطن، وباسم العائلة التي ألصقت كنتيها عليك كمواطن تملكه، دون أن يستقل أحد أطرافها الحافلة ليترك رأسك وشأنه.

لأن صمتك اليوم سيد الموقف، أو ربما احتفالك. لا أحد يود أن يعرف كم من الكتب يجب أن تُنهيها هذا العام. بل الأفضل ألا تعرف أنت أيضًا. غالبًا يترتب على المعرفة، اكتئاب طويل المدى وسينتهي بك الحال باحثاً عن الأقراص التي تُعالج كُل هذا مضطراً للانتظام عليها ما يقارب الأربعة أسابيع لتبدأ مسيرتها فيك دون أن تحدث تغيير حقيقي. وستعود من جديد دورة حياة اليأس في كل منزل ينتهي كل شيء مع صوت إطلاق النار عليك. أو سقوط المروحة التي جرت رقبة الشاب الأخير في العائلة حيث لا جسور معلقة في بيشة وبقية الخراب.

آخرون قرروا حرق كُل هذا مع سجائر النيكوتين أو ربما الحشيش. لا أعرف كم من المرات سمعت مفردة حشيش في عامي 2014 و2013، لكن الأكيد أن ما تم حرقه في 2015 يفوق كل ما سمعته في السنوات الثلاث الأخيرة. الحشيش في متناول الشباب أمر آخر حارق في البلد. الحشيش في متناول الجميع رغم كُل الأخبار التي تفيد بالكميات المُحبط تهريبها.

قليل من الأولون استغنوا عن كُل هذا القلق بالنساء. بالبدء اعتقدت أن المسألة تُعنى بالشغف. لاحقًا انتهيت إلى كونه سعيرًا جنسيًّا تكاد ناره تصل إلى كُل كلمة تتفوهين بها.  أي كلمة تتفوهين بها يكون الطرف الآخر على استعداد تام لتحوير الكلام لإيحاء جنسي، الأمر لا يتعلق بكونهم لا يريدون حريتك يا سيدة يا فاضلة. الأطياف كلها تجمع على أنك أداة شبق. والانفجار الحاصل لا يمكن أن يقع على عاتق الكبت الموجود منذ الولادة. المسألة تقع على عاتقنا جميعًا. على عاتق استمرارية تجاهلنا منذ البدء لكونها أزمة.

يبدأ الحوار بابراهام ماسلو. “يا سيدة ماسلو ينظر لها كمأكل ومشرب”. ماسلو الذي قضى حياته يصيغ نظريته في الدافعية ويدرس هرمًا من خمس مستويات، يتم في ما بعد تجاهل المستويات الأربعة، ويُعنى قطيع كامل بمستوى واحد، لأنه يحقق الفكرة المنشودة من كُل هذا العبث. ولأن ماسلو ينظر لها كحاجة فيسيولوجية. الجميع بات ينظر للمسألة بالطريقة ذاتها في محاولات لزج الهوية بالرف الأخير من المكتبة.

المسألة تعدت كونها رغبة، ولم تكن قط احتياج، إذ أن الحاجة يتم اكتشافها بفقدانها بعد الممارسة. المسألة سعار يسير في كل اتجاه. صورة تضعينها في موقع تواصل. لأن لا شيء يُمثلكِ عدا وجهك. تُفهم بأنك جاهزة لأي شيء. وعلى عجالة: أين تعيشين؟

التعبير عن رأيك تجاه تابوهات البلد، قد يعني أنك مستعدة تمامًا لأن تخلعي كُل شيء. الأمر لا يتحدد في طيف معين، الأطياف الأخرى جاهزة لأي شيء عدا ترك الأمر لله، رغم أن الله قضيتها الأولى.

ومع كُل هذا الشغب، مخيف كيف تحولت المرأة لهاجس في السر، وأداة توجس في العلانية. غاية ربما. وأحيانًا وسيلة للترويح والضحك ومحاولات بائسة لإيقاف هاجس الخوف من حمام الدم الذي سيسود المنطقةن من خلالها. لا يمكن أن تُترك للحظة واحدة دون أن يُتدخل بها. الأمر لا يتعلق بالتيارين، أو من هو محسوب عليهم، أو أولئك الذين يقاتلون في سبيل ألا يكونوا أدوات تيار ما. الأمر بات يشمل حتى الفئة المنحلة من كل شيء عدا الغليان تجاه كل امرأة بالبلد، لأجل نزع غطاء. أو جينز من تحت عباءة. نعم يحب الصالحين ويعرف إنه ليس منهم، لكن إذا كان الأمر يتعلق بكِ، فكل شيء سيتغير لصالح الظفر بلحظة يكون فيها الصلاح آخر ما يمكن.

بجانب الأشياء الكثيرة التي أكرهها بالمنطقة، فكرة التقزز من تعدد الهويات. الرمادي لون لم يعد كما كان بالسابق وسيلة تصنيفية، أن لم تكن أبيض فياخسارتك في الجهة السوداء من العرف الاجتماعي الحديث، الذي يمقت التعددية في سبيل أن تفوز ثقافات مستوردة.

عدد المشاهدات : 489

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.