لأنّه صباح الخير سيّدتي

لأنّه صباح الخير سيّدتي

عبدالعزيز البرتاوي

لأنه صباح الخير سيّدتي. لأنه أقطع الطريق بارتياب حين لا تهديني في دروب المدينة الضالّة، ثرثرة جدلِ جديلتك. لأنه لم يكن في النشرة أكثر من 30 قتيلًا، بينهم طفل. لأنه أعلنوا هبوط البورصة، مساء الأمس، وعلوّ كعب ضحكتك. لأن الضفدع كائن غبيّ، ينقّ كل مرة، ولا يفكر أن يكون غزالًا. لأن الأرنب يضحك كل ما سمع قصة السلحفاة المُجدّة، ويرمقها بهزء. لأن الجَمل تخلى عن أحقاده، ويعمل أجيرًا في حفل مزايين الأمير.

لأنه صباح الخير حلوتي. لأنه حلوٌ أن تلوّحي للشمس. لأنه ستشرق الشمس دون تلويحتك. لأنْ، ستكون أكثر التماعًا بتلويحتك. لأنه سيبسم من قلبه لو شاهدكِ، عامل النظافة. لأنه سيخفّ نصف تعبه، لو رمقتهِ بنظرة. لأنه ستغار فراشة، ولأنه ستحطّ حمامة، بينما تزيحين خصلة عن أملح وجه في المدينة. لأنه يغوص عميقًا في عبوّته، حين تدلفين ببهاء نجمة، سكّر المقهى، ويعلن أن لا جدوى لوجوده. لأنه لا يوجد شيء لأنّه، لأنه بلا سبب، وبسبب، أن تكوني كل ذلك: الصُدفة والصدَفة، والقدَر الذي يأتي هكذا بلا أسباب.

لأنه صباح الخير قمري الصغير. لأن الشجيرات التي تنمو سنتميترًا كلما تمرّين عليها، لأنه تطمح أن تصير نخيلًا، نارجينًا، أشجارًا فائقة الطول، لتواكب العلوّ البهيّ لقرطي أذنيك. لأنه يشبّ فتيًا عجوز الحيّ، حين تعبرينَ، يذكر الهوى والسنين الخوالي، والتي مضت بلا أوبة ولا قُبلة، ولا صباح الخير.

لأنه صباح الخير، حتى لو كانت الظهيرة. لأنه مضى وقت طويل، دون أن نقول صباح الخير، للعصفور العطشان. لأنه لا بدّ للهمّ أن ينجلي، ولأن لا بدّ للحكومة أن تنكسر. لأنه حزين هذا العطر الذي لم يضمّخ بمخمل كفيك، لأنّ للحزن رائحة، ولأنه مصاب بالزكام أبدًا.

لأنه صباحكِ سكّر، ولأن عذابنا يستحيل عذوبةً، على وقع رنين ضحكتك. لأنه الحظّ يتجلى كأرجوحة سماوية، هذا العقد في عنق المرمر. لأنه طويل هذا العنق، كطول أحلامي. لأنه رقيق هذا الهدب، كرقّة الأماني.

لأنه سنموت آخرًا، ولأنه وجبَ أن نعيش الآن. لأنه أحلى من أن أقول لكِ: نعم، أن أقول للحكومة: لا. لأن الوطن أسمى من أن تكون مربوطًا إلى نشيد وتراب، والدين أكبر من أن تكون متعصبًا لذقن وثياب. لأن قتالنا لأجل سعادتنا، أشهى من استسلامنا لأحزاننا.

لأن الرماديّ لون المخنّثين، لأنه إما أن تكون أسودَ كبؤبؤ عينيها، أو أبيض كنبض قلبها. لأنه كثُر المائعون، القائلون للحكومة متى شاءت، كيفما شاءت. لأنه وجب أن تكون صريحًا كحدّ سيف، شامخًا كجبين حلوة تقطع الطريق، دون أن تلتفت، بينما يقف رتل العابرين، بذهول.

لأن الأحد، هو يومٌ بلا أحد. لأنه موسم افتتاح الوهن. لأن الإثنين، هو يومٌ لا يقسم على اثنين. نرتاح فيه من بدأة أسبوع، ونستعدّ لتمضية آخر. لأن “الثلوث” كما تحبّين تسميته، يوم مريض. لأن “الربوع” يوم يذكّرنا بالأحبة، الذين رحلوا حين كانت مواعيد سهراتنا الخميس. لأن الخميس آخر أيامنا مع العمل، لأنه مفتتح ليالي الأمل. لأن الجمعة يوم القنوت لوليّ الأمر، وشتم الكافرين شتيمة لاذعة. لأن السبت موسم الصيد، في البرّ والبحر، ويوم لا يسبتون.

لأني ألبس ساعتي في يدي اليمنى، لأن في يساري يكفيني وجيب قلبي. لأن الساعة تتعطّل، كقلبِ مجلوطٍ، حين تغادرين. لأن الوقتَ لا يمرّ، إلا حين تأتين، ولأنه يضرب عن المضيّ حين تغيبين. لأن عامل المقهى، كتب في رسائله الثمينة إلى حبيبته، عن وهج حضورك، ولأنه من وراء البحار، أعلنت حبيبته الحرب عليك.

لأن الصراط المستقيم، صار يمرّ من ساحة قصر الملك. لأنه لم يعد ثمة مكان لذوي الأعراف في الوطن. ولأنّنا ضالّون بالفطرة، حسبما يقول شيخ الحكومة، اخترنا أن نبحث عن جحيم يخصّنا، ولا جنة يحكمها معتوهٌ، جاءت به سفارة أو خفارة. لأن الدين، صار كتابًا، يقلّب صفحاته شيخ الأمير، يقدّم فصلّا، ويمحو آخر، كما يريد الوزير أو السفير. لأنه ثمة “حوار” في الأديان، ولا “حوار” في الوطن.

لأنه أن طأطأتَ رأسكَ يومًا، من ذا يضمن أن ترفعها أخرى. لأنه إن سرت في دربهم خطوةً، من ذا يضمن أن تعود أخرى. لأنه إن قلت نعم مرةً، من ذا يضمن أن تلثغ بـ لا كرّة أخرى. لأنه إما أن تكون، أو لا تكون. لأنه إن لم تقضّ مضاجع الذين ظَلموا، وتوسّد بالحرير مفارش الذين ظُلموا، فماذا أنت فارقٌ عن تيس كان لأبي في قريتنا؟

لأنه لا تغيّر أفكارنا نشرة، ولا تقلّب عقائدنا لحية، ولا تميت ضمائرنا رشوة، ولا نسقط أبدًا إثر كبوة. لأنه ننهض، حتى ونحن نسقط، ونحن ننهض، ونحن نسمع هتاف الذين سقطوا: لن تقوموا، فنمدّ إليهم أيدينا، في أول حفرة.

لأن لمعة غبار، على حذاء عامل في الأقصى، أبهى من كل ذهب نياشينهم. لأن ميضأة في القدس، أطهر من حرير مجالسهم. لأن القدس عروس عروبتنا، لا عروبتهم، ولأنه “سجّل أنا عربيّ، ورقم هويتي ألف”، ولأنه لا يحقّ لأي صبيّ أن يحدّد لنا كيف تكون القدس في النشرة القادمة.

لأن الصمت من ذهبٍ، حين لا يتحدّث ألماس شفتيكِ. لأن الوقت كالسيف، حين لا يلمع قريبًا وميض عينيكِ. لأن من جدّ وجد السجن، ومن زرع سرقوا حصاده، ومن بكى كثيرًا، ماتَ باكيًا، ومن سار على الدرب، أوقفه كمين الحكومة. لأن الحكومة لا تحبّ الحكمة. لأن الحكمة لا تطبّق على الحكومة. لأنه أن تكون لا أحد، خير من أن تصير كلّ أحد.

لأنه طال الكلام. لأنّ شعركِ أطول. لأنها كثيرة هي الأسباب. لأن أسباب أن تُعشقين أكثر. لأنه لكلّ شيء علّة، ولأنّي عليل. ولأن الدنيا “مقادير”.

عدد المشاهدات : 4769

 
 

شارك مع أصدقائك

2 Comments