مئة يوم من الموت

مئة يوم من الموت

ابتسام يونس

للمرة الألف أو ربما المليون -لا أعرف لقد توقفت عن العد منذ زمن- أقول لك أنني لا أريد أن أموت لأجل القضية.
الجبناء يتراجعون في زمن الرصاص والدم والحاير، وأنا منذ اليوم الأول جبانة.

منذ ٢٠١١ كان كل شيء على وشك أن يسقط، خاض الجميع شرف هتاف السقوط -الجميع بلا استثناء-
حتى أولئك الذين يعبرون خريص صباحًا بشكل منتظم، كانوا ينادون بأن يسقط خريص، تسقط الحكومة التي لا تعرف الحب، يسقط المدير المحابي، يسقط الفساد، تسقط نزاهة، يسقط ولي الأمر السكير والذي تنتظره ابنته للتوقيع على موافقته لأن تعول العائلة وألا ينقطع عن الشرب، ويسقط أيضاً كُل من هم على شاكلة عبدالله ابن الجيران الذي أطلق النار على أخته لأسباب غير معروفة أو ربما لتعاطيه المخدرات.

لايسعني أن أتذكر جيدًا وبشكل مفصل، ماذا حدث بعد زمن الهتاف. لكنني أستطيع تصوير سعادة الحكومات بالصمت المطبق على شفاة كل أولئك الذين استماتوا يومًا ما لسقوط أي شيء. تستطيع ممارسة ما تودّ الآن، لا أحد سيمنعك، لكن تذكر أن أي شيء وكُل شيء مقرون بالحكم الإرهابي، بعد أن كان يحكمنا لعقود حكم المعاريض.

كُل هذا الموت الذي يرتب أيامنا، امتداد لاستيقاظ أحدهم على وعي الهتاف. أستطيع رسم ملامحه مدهوشًا يُردد: كيف يتناقل العوام صوت النخبوي بهذه الحدّية؟
السؤال الذي أصبح فيما بعد مُترجمًا إلى: صوتك إرهابي حتى تُخفي من حدّيته. وأصبح الصمت بدلاً من الهتاف، حلًا أمثل لتجاوز الرصاص والدم والحاير.
لايوجد مُنقذ. الصمت كان مسؤولية الجميع، الحديث كذلك لن يكون ضمن مسؤوليات الغير، لكن الموت هذا نتاجه ويتحمله كُل أولئك الذين استيقظوا مدهوشين من صوت الرأي العام.

لا تعنيني السياسة، يعنيني القهرُ الحريق الممتد. يعنيني الفقر الأزمة التي ستشمل كل أبناء الرأي العام، وامتدادًا لكل هذه النار، قررت أن أتجاوز الصمت وأشعل شمعة.

اليوم الأول: كنت أخاف من النار، لم أوقد شمعة.
اليوم الثاني: قررت أن أنشغل بأي شيء دون الشمعة.
اليوم الثالث: أشعلت شمعة.
اليوم الرابع: ذابت الشمعة. تخلصت منها حتى لا تشغل أية مساحة.
اليوم الخامس: لم أملك المال لشراء شمعة أخرى.
السادس، السابع: تنازلت عن الفكرة كُليًا.

يتبع التنازل أيام عديدة من التناسي، ثم يعاود الظلام الإطاحة بقلبي، ينصهر ويتدفق كُل شيء منه عدا القهر الذي يتجلي بأبشع صورة مُمكنة.

عدد المشاهدات : 1085

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.