همُ الحكومة، فاحذرهم

همُ الحكومة، فاحذرهم

عبدالعزيز البرتاوي

يكذب عليك من يقول أن الحكومة يهود. اليهود لن يرضو بذلك أولًا، وثانيا ليست المشكلة في تصنيف الحكومة، تحت أي عرق أو عنصر أو تيار، إن دينهم وديدنهم الطمع، إنهم يأكلوننا، وحسب.
الشيخ الذي يطيل لحيته، ويقصّر مئزره، وينادي بالزهد وكثرة الاستغفار، وترك المغانم والأموال، ويذم أهلها، ثم يأتي إلى أكابر مجرمي المدينة ممن كنزوا الأموال، مادحًا أو معزيًا أو متمتًا على دراويش طلبته أن للمعاصي نقمة، وللموت حرمة، واذكروا محاسن موتاكم وما إليه، عند نفوق أول جثة منهم، هو الحكومة نفسها، بذقن كثّ، وضمير حليق.
المثقف الذي ثرثر كثيرا حول قضايا كبيرة لا تهمنا، ثم حين جاءته الجلطة تسعى، وتمت معالجته إما في مشفى رديء في الوطن -طالما تجاهله في مقالات المديح الذي دبّج-، وإما نالته أفضال أكاذيبه فأدركته رحمة شرهة إنسانية الأمير الكبير، فذهب للخارج ثم عاد بقلب غير القلب، لولا مواصلته التسبيح بحمد الأمير. هو الحكومة نفسها، بوجه حليق، وضمير كذلك.
الشاعر الذي وطّنه البترول، بعد أن ظل جدوده حفاة عراة، في سنوات التيه والصحارى، ثم جاء يعلمنا بعد أن شبع جيب أبيه ارتزاقًا من عطايا الحكومة، أن بلاد الكفار بوار، وأن العقبى لمن آثروا الغبار، هو الحكومة بسذاجة في المخبر وهياط في المظهر.
الكاتب الذي سوّد صفائحنا وصحائفنا حرقة على الوطن ومآلاته، وتألمًا على بؤس ما يجري فيه، من فساد وكساد، هو نفسه استثمر فيه، ثم أطل علينا صباحًا كباقعة، بمقال يمدح فيه عبدالعزيز بن فهد -محمد بن سلمان المرحلة- هو الحكومة نفسها، بذاكرة قصيرة، ولسان شحاذة طويل.
المعرف الوهمي الذي يسبّح ليل نهار، بعظمة الحكومة وقوتها وجبروتها وأصالتها، في نفس الوقت الذي تتوالى فيها توابيت العائدين من الجبهة زرافات لا وحدانًا، ويدخل فيه المصلحون إلى السجون، حاسري رؤسهم من الحسرة والحزن، هو الحكومة، بغباء منقطع، وضرورة لا طعم لها.
التاجر السمين، بكرش عريض وضمير نحيل، وهو يلقي ورقة ركيكة كتبت له من قبل لبناني يحف شاربه وضميره كل صباح لتنعم ضيعته بالأكل، حول عطالة أبناء الوطن وكسل بناته، وسوء تربيتهم وضياع مآلاتهم، هو الحكومة نفسها برصيد في البنك، وتأشيرة في السفارة الأجنبية.
المبتعث الذي لم يعرف رصيفًا أبعد من رصيف بيت جارهم السابق قبل الابتعاث، ثم عاد ليحدثنا عن نعمة الأمن والأمان وضياع بلاد الكافرين الفجار، وسوء عيشهم، ونكادة حياتهم، ولصوصية حكوماتهم، وبطش عساكرهم، ثم بصوت مغامسي متهدج يدعو لحكومته، هو الحكومة نفسها، بلغة أجنبية مهلهلة، وشهادة من جامعة كان أحد سوءاتها قبول أمثاله.
الطبيب النفسي، الذي لا تكاد تعرف مرضًا نفسيا، أو لا تعرفه، إلا تشك أنه مبتلى به. لكأنما تشرّب أمراض زائريه، يتصدى مبررا لكل بواقع الحكومة، يخشع فيما لا خشوع فيه، ويفجُر فيما حقه الحذر، هو الحكومة بعيادة نفسية باهظة الثمن، وترويج للأباطيل سريعة الكشف والعطب.
الناشطة التي تروح وتجيء وليس لديها من شغل في كل قضايا الوطن إلا متى أوان قيادتها للسيارة الفوشية، وانطلاقها نحو عوالم الغد، هي الحكومة بحماقة رباعية الدفع، وأنانية محضة أن ليس لدينا من بؤس سوى هذه الأحبولة البليدة.
الطباخة التي شاهدت مئات الأفلام الأجنبية -كون بلدنا يحرّم الأفلام- ثم جاءت بكل ثورة ليصنع أول فيلم يخصنا، فولدت لنا فلمًا جسدًا خاويًا له خوار وبوار، ثم هايطت به في صحف العالمين، أن ليس من فيلم يحوز أوسكار الإبداع إلاه، ثم بعد أن تجاوزه الوقت القصير والحقيقة، نسيته في مطبخها، هي الحكومة، بكاميرا شوهاء، ونرجسية لا ترى إلا نفسها في عين العدسة.

وبعد ..
فيما يختص بالحكومة، لا تثقوا بشيخ ولا مثقف ولا أستاذ ولا عالم ولا طبيب ولا ناشطة كسولة ولا منظمة خيرية أو شرّية، ولا بأي أحد. ثق بالحفرة التي تقبع أمام باب بيتك، ثق بالشارع المجدور تحت عجلات سيارتك، ثق بخدمة المشفى الذي ينتصف مدينتك، وفي نصفها الآخر مقبرة تعقد معه صفقة أبدية. ثق برصيدك الخاوي، بينما أكبر ناقلات النفط تودع إيصالات سرقتها في عين البنك. ثق بالحرق والعرق والغرق. ثق بالعامل الفقير، يقسم أجره بين أطفاله البعيدين وبين رصيد وكيل الأمير. ثق بالمطر، إذا ما انهمر، ثم جاء الخبر: أن ليس من وزر، فلا أحد في هذي المدينة، قد نهى أو أمر.
ثق بالذين تحويهم السجون، تقصر أعمارهم، وتطول محكومياتهم. ثق بالكرة المثقوبة التي لا تنافس في كل محافل العالم الرياضي، وتقيم المعارك بين الفارغين هنا. ثق بالأوبئة، التي تجيئ وتنتهي لوحدها، ولفائض في التجربة. ثق بالمتعبين، منتظري فتات الضمان الاجتماعي، إذا ما تكرم بالتبدير به الأمير أو الوزير. ثق بمبنى المدرسة المستأجرة. ثق بالشارع الذي ينغلق فجأة، لأن في وجهه سور أرض الأمير.
ثق بالخراب الفعلي، ولا تثق بالإصلاح القوليّ. لأنه يا سيدي، قُبلة في الهواء، لا تزيل ألم صفعة على الخد.

عدد المشاهدات : 1908

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.