يتتّن؟

يتتّن؟

ريم الفضلي

السيدة أمامي، التي تقرأ بحثا باعتناء في ليلة نهاية الأسبوع، مع كوبي قهوة، تجعلني وإياها في طائفة واحدة ضد العالم الذي يملك خططا حافلة، بعيدا عن كتب وواجبات الأسبوع المقبل. هكذا الأمر. في كياننا، في صحبتنا، في تواجدنا ووجودنا، نحن أحكام مسبقة، مقدرة ومختارة.

أين تفر من التقسيم، إصدار الأحكام والنعوت، المحاسبات. في عقل ما، هناك نهر، وادي جاف، مستنقع، أي شيء له ضفتين، ترقد الأحكام المعلبة، النعوت المصففة على كل ضفة. هذه المنطقة المأساوية من العالم، العاجة بالقتل والاصطفاف الطائفي تقوم على التقسيم. قسّمونا كثيرا السيدان سايكس وبيكو، ثم لم يكتف أمراء الطوائف ومتاجرو العمائم بتقاسيم الاستعمار، للأراض ذات المكونات المشتركة والمتطابقة، سنّنوا بيننا من الخطوط، لما أكثر من تقاطيع طبق كنافة، في واجهة حلواني جشع.

كنا لفترة طويلة، نقيم حدّا لا يخترق، بين عباءة الرأس والكتف، بين لابستيهما، ما أكثر ما رتبت الأحكام حوليهما، كان أحكم القوم، من يطلق الأحكام دون إفلات عنانها، يقول: ليس شرطا، قد يكون دين عباءة الكتف أتقى من الرأس. لابسة عباءة الكتف، تنتبه لكونها تلبس عباءة كتف، تعرف خمس شواهد للابسات عباءة رأس صائعات. لابسة عباءة الرأس بالمقابل، تعتني بتواضعها الديني، وتظهر تنزهها وميلها للواجب أكثر من المباح، تذكر شواهد عن عباءات كتف صالحات، ومثيرات للدهشة. هذا معروف. دعنا لا نتحدث عن النقاب بالطبقتين، النقاب ذا الطبقة الواحدة الشفافة، النقاب دون أي طبقة المحجّم للرأس (هل تختلف أحجام الرؤوس البشرية لهذه الدرجة؟)، اللثمة، ثم اللثمة الملكية، دعنا نغفل ذكر النقاب الملكي هنا، والحديث يطول، اسأل أختك.

السيجارة، لفافة نبتة التبغ المضرة كثيرا بالصحة – نعمة الرب،  خرجت عن بروشوتات الوعي الصحي والحفاظ على البيئة ومخططات التجار، لتصبح الفساد الذي في أيادي الضائعين. كان غير مفهوما العلاقة بين اضطراب المزاج والانحلال، فقط في حارتنا هذه من العالم. خرج الشيخ، الذي أنورهم فكرا، أكثرهم جذبا، في فضائية، ليبدأ قصة، قصة قالها بتأثر، عن أنه يوما وجد مدخنا، مدخنا حقيقيا، “باكيت باليوم”، أسلم على يديه مجموعة وافدين، تنتهي القصة، وينتهي المشاهد بالعبرة الهائلة: مدخّن يهدي للإسلام! وتسبيح. النتيجة التي كانت تجعل الكثير يقول عباءة كتف دون ضرورات الانحراف.

في عقلنا الضارب في “الملل والنحل”، هناك شيئا، لا مفر منه، يجعلنا نقوم بالتقسيم، التقسيم المجدي، والآخر المفتت. فكّر بالأمر. هناك ليل، وهناك نهار. أسود وأبيض. مسلم وكافر. آبل وسامسونج. سني وشيعي. تويوتا ونيسان. إسلامي وليبرالي. بريدة وعنيزة. بدوي وحضري. فلسطين وإسرائيل. بيتزاهت ودومنيوز. أمير ومواطن. نعناع مغربي ونعناع حساوي. هناك من يضع صورته الشخصية لشخص في السلطة، وهناك من ينتحر على ألا يفعل ذلك. هناك أشياء من الصعب أن لا تتوازى في هذا الكون. فكر بالجدية التي يتحدث بها محبي فول القلابة أمام محبي الفول العادي. ليس بوسعك أو بوسعي أن لا نقيم أحكامنا الخاصة، المغلوطة، المتحيزة. للنجمة أسبابها المفتعلة في عدم الظهور ظهيرة.

الجميع يعتني بالنظافة، يدعي النظافة، لكن حتى معسكر النظيفين يعجّ بالانقسامات، من يقلم أظافر أقدامه بانتظام، مَن لا. من لا يغسل أغطية فراشة بتكرار متقارب، مَن نعم. من الصعب أن لا تقيم أحكاما، كيف لا تقيم أحكامك الخاصة، والعالم يعج بالهويات الصغيرة، والقدسيات لكل “أنا” ترتدي أزياء القضاة. خطٌّ يخطّه البعيد، يلمس قواربك، لا يؤذيك، لكنه يعكّر مزاج بحرك. مدّ الأشرعة القصيرة لا يضر كثيرا:

هناك من يقدّر القهوة، ومَن لا. هناك من يتحدث كثيرا، ومن لا يتحدث إلا لماما. هناك من يستيقظ ويأكل مباشرة، وهناك من يشرب الماء أولا، لاعتقاده بأن الماء منظف طبيعي للجسم. مَن يملك مكتبة، مَن لا. هناك أخيرا، بشكل كبير بالعالم، لهذا الحول، لسواه، وما تبقى من العمر، مَن مات في حياته أحد، مَن لا. هذه ليست محاولة لمقاسمة خبز الحزن الليلي. هذا هو الموت، أهدأ غائب، وأعتاهم إذا حضر. قل لي من توفي لك، أقل لك كيف أنت. هناك الصغار يمضون باتقاد في الحياة الحلوة، في حكيهم، في ضحكهم. هناك الذين اشتدوا في الكبر فجأة، بعد رحيل أقدس الأحبة، يتعثرون في الحياة القدر. بلا مساومة؛ أتعصب وأقسّم، غير أني لستُ داعش، ولست شارلي إبدو أيضا.

عدد المشاهدات : 267

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.