يجب أن يعرف العرب والمسلمون والأحرار أينما كانوا، أن هذه الحرب تقول شيئًا واحدًا: هذا العالم عدوٌّ كبير، مركزه إسرائيل، وحاميه أمريكا، وداعموه أوروبا البيضاء، بينما عبيده ومحتقَروه: باقي العالم، بكل أجناسهم وجنسياتهم وهوياتهم وهواياتهم. إننا فرجة لهم. متنفس للتجربة والتنظير والدراسة كأبأس ما تكون فئران التجارب، دون تخدير حتى -إلا تخدير الإعلام الغربي نفسه-.
لا سيّد هنا سوى الأبيض القاتل. يقتل في فلسطين، ويقتل في أفغانستان، ويقتل في الصومال، ويقتل في مالي، ويقتل في النيجر، ويقتل في الجزائر، ويقتل في العراق -لقد حولوا العراق من جوهرة الكون وعاصمة الحضارة، إلى خراب يستجدي أبناؤه دول الغرب الحقير جوازات لجوء وبطاقات عيش- ويقتل في بورما، ويقتل في الهند -هذه المجتمعات الهندوسية الوسخة الفقيرة لا يشغلها فقرها ولا عوزها ولا حقارة أمرها عن الفتك بالمسلمين في الهند كل يوم-. إنهم يقتلوننا في البوسنة، والشيشان، واليمن، وسوريا.
إنهم يجربون أسلحتهم على أجسادنا. معارفهم على عقولنا. رصاصهم في رؤوسنا. إنهم حين يتعبون، يشغّلون آلات، تكمل عملية القتل -تهكم طيار أمريكي مرةً لكون طائرة دون طيار لم تفرق بين عزاء وزواج في باكستان-. إنهم يقتلون هذا العالم الثالث كل يوم، ليحيلوه إلى العالم الميت. لأنه داخل الجهل الأبيض الوسخ، لا يستحق أحدٌ أن يكون حيًا، خارج العالم الأول، بمعامله وعلومه وفنونه -كم فنانًا شهيرًا غير أوربي تعرف؟- وحضارته وأدبه -قبل ثلاثة أعوام منحت نوبل جائزتها للصربي المحرض على القتل في البوسنة دون حياء-. إنهم ينالون جوائزهم على صفعاتنا. إنهم يحيون على احتقارنا وقتلنا وتشريدنا من بلداننا، ثم يغلقون شواطئهم أمام الناجين من بلداننا المحترقة، لكي لا نلوّث حضارتهم.
هذه الحرب تكشف كل ذلك. هذه الحرب تقول لكل من في قلبه قلب: أيها الغبي، حان أن تستيقظ. ابصق على معاهدات السلام ووثائق التكاتف الحداثي الكاذب وتجمعات دبكات المخنثين والملاحدة وأشهر غضبك. إنه حتى المثقفون الرافضون منهم قتلنا بكل هذه الرعونة، يتغاضون عن بعض القتل بداوفع التحوّط والعلم أو الدفاع أو الاكتشاف والدراسة. إنه حتى مثقفو هذا الغرب الفاجر الذي كتب عنهم مالك بن نبي قبل سبعين عامًا سيرته “العفن”، يحيون على قتلنا وتبخيس أمرنا وطمس حضارتنا.
يجب منذ اليوم أن نشهر لعناتنا على كل مثقفي هذا العالم المتغطرس قبل جهلائه، لا عبرَ قراءة كتبه الفجّة، بل وعبر نقدها والتمعن فيها والبصق عليها إن تطلب الأمر، عبر تفكيك مدى التبخيس الذي تقوم به. يكتب المثقف الوظيفيّ منهم عن كل أديان العالم وحضاراته، عن أغربها وأكبرها وأبأسها وأحقرها وأجملها وأعظمها، ولا يكتب حرفًا عن العرب والمسلمين، وانظروا إلى كتب الترندي التافه، مارك مانسون على سبيل المثال -ترجمت كلها للعربية- كيف يكتب عن روحانية أديان الشرق وعظمة الغرب ودقة الآسيويين وجمال الأوربيين ولا يكتب حرفًا عن الإسلام ولا المسلمين، وكأنه يطبق “فن اللامبالاة” حقيقة على إرثنا وتاريخنا. ويمكن مطالعة ما كتبه العلامة عبدالله الطيب عن إليوت وقصيدته الأرض الخراب، حيث يقول: “لفت نظرى أن تعليقات اليوت التى جعلها فى ذيل منظومته المسماة “الأرض المقفرة” خالية من الإشارة إلى العرب وما يمت إلى العرب وما العرب يمتون إليه “القرآن مثلاً والإسلام” مع إن هذه التعليقات ذات حظ وافر من الحرص على إظهار المعرفة العريضة والاطلاع الواسع وبعض الغلو فى ذلك حتى إنها لتوشك أن تشمل أكثر أمم الأرض ولغتها وآدابها الحاضرة والغابرة”.
إنهم بفضل ما لديهم من معامل ومدارس وجامعات وأموال منهوبة من باقي العالم، بفضل هذه الأدوات المعرفية، يعيدون إرسال فئران تجارب، لتحدثنا عن نجاعة هذه التجارب، وحضارة تلك المعامل، وحرية تقبيل كف صافعك، وركوب أي شيء، ونقد أي شيء، سوى الشذوذ الفعلي: المثلية، والشذوذ الفكري: الهولوكوست. إنهم لا يملكون حتى حرية التشكيك فيها. إن فئران التجارب الغربية القادمة من الشرق، تعود محملة ببنج التخدير الغربي، لا تحس بصفعة، ولا ترى فيما يحدث لنا من مآسي ألمًا. إنهم حتى لو أحسوا بالألم، عادوا إلى الغرب القاتل، ليطلبوه الدواء. إنهم مرضى على أبواب مصحة، تطردهم، وكل ما يطلبونه إطالة مدة المكوث، كي لا يكشف العالم الخارجي مدى مرضهم العقلي وانحطاط جنونهم.
من هو هذا الأبيض، لولا ضعفنا؟ من الذي علمه كيف يغسل سوأته في أوروبا، وهو الآن لا يفعل في أغلبها، غير الحضارة التي جلبت إليه الصابون والأرقام والمعارف، فقابلوه بمحاكم التفتيش والقتل والسحل وتحويل دور عبادته العظيمة كنائس وبارات لجميع أوباش البيض في هذا العالم الحقير. من هو هذا الأبيض لولا السادة العبيد الذين زرعوهم في وجداننا وأوطاننا، يغنون بعظمة الأبيض ويصلون لقبلته.
إنني -حزينًا- أستبشع الأسود الذي يعيش في الغرب، أو في بلاد الاحتلال الأكبر: أميركا، كيف يقبل كل هذا الظلم الأبيض. كيف لا يتحول إلى قاتل، يخرج شاهرًا سواد حقد قلبه قبل بشرته، ليقول للأبيض: كفى تنظيرًا للقتل، كفى للشرطة التي تمعن في هذا القتل، كفى إصدارًا لقوانين تحث على القتل، كتب تؤجج القتل -يمكن مطالعة جديد بول أوستر: أميركا أمة دموية-، كفى لمعارف ونظريات تكبّل غير الأبيض وتحيله إلى صورة ثابتة: ملوّن، لصّ، مدمن، إرهابي، يتحول بعد أن تفنى عضلاته في ملاعب ومعامل فرجة الغرب الأبيض، إلى متسول مشرد في شوارع أميركا نفسها. كيف يجرؤ القذر المسمى جيمس ليبرون أن يتضامن مع بيض إسرائيل، في الوقت الذي يدوس فيه بيض أميركا كرامة قومه، ويقتلون شعبه في كل شارع، مكتفيًا بصورة مع كتاب لمالكوم إكس، الذي لو كان حيًا لبصق عليه وعلى تاريخه.
أعود إلى لطخات الدم على الشاشة. إلى هذه البلاد التي قال الله كوني سلامًا، وقال الأبيض القاتل: لتكن خرابًا. أتأمل كم من أم عظيمة، أفنت سبعين عامًا في بلاد القهر هذه، ترى كل يوم ذبح أبنائها وشتم مقدساتها ولعن تاريخها، حتى إذا أخذ بها الحنين مأخذه، جاءت مثقلة لتصلي في الأقصى، وتشكو أمرها إلى المولى، فيتلقاها قطعان لا أصل لهم، صافعين وضاربين، يصورون أمام العالم إهانتها وسحلها على أرصفة المسجد الشريف، بينما نكمل نحن وجباتنا المنحطة من مطعم أمريكي حقير.
كم من فتى ألمعي، تلتمع عيناه بكل الحب والألق، يحيى على أن لا يكون يوم غدٍ أسوأ من الذي قبله، حتى إذا خطّ شاربه وخطَت أحلامه، جاء صاروخ طائرة يقودها عاهر لا يدري من أبوه، ففتّت أحلامه وشظى أيامه وجعله رقمًا في نشرة أخبار عربية لم تتغير إحباطاتها ولعناتها منذ ستين عام.
هذه الحرب، تقول لنا أن هذا العالم الفاجر، كله إسرائيل. وأن عالمنا المستضعف على أمره، حتى تلك الحظائر التي تستقوي بالقصائد وتصميمات مواقع التواصل: هو غزة. وأن الأصل واحد: قاتل معربد كبير، يملك كل شيء، وسيمعن قتلًا. ومقتول ضحية يملك أيضًا كل شيء، لكن القاتل يقول له: إن مسست شيئًا مما لديك، سنقتلك أسرع.
يجب أن نربّي الغضب، بوصفه فردًا من العائلة. بوصفه شقيقًا، أخًا حميمًا، شعورًا يوميًا، تجهمًا دائمًا، بصقة هائلةً، في وجه مراسل النشرة الأبيض، ومتفرجها الأرعن، الذي يصدق كل شيء عن خدشه الذي لا يُرى، ويكذّب كل حقيقة عن سحل جماجم أطفالنا.
عدد المشاهدات : 1484
ومن بين هؤلاء الشعراء جميعًا، لم تكن حياة أحد منهم أنعمَ، وأكثر استخفاءً من حياة ريلكه. ولكن وحدته لم تكن متعمدة، ولا وحدة كاهن مرغم عليها، أو متظاهر بها، مثل وحدة ستيفان جورج المشهور في ألمانيا. لقد بدا أن الصمت ينمو حوله حيثما ذهب، وحيثما كان. وبما أنه كان يتجنب الضجيج، ويتجنب حتى شهرته -ذلك “الكم من سوء الفهم الذي يتجمع حول الاسم”، كما قال ذات مرّة- فإن الموجة المقتربة للفضول المتبطل لم تلامس شخصه قط، بل اسمه فقط.
عدد المشاهدات : 1680
ماذا يمكن أن يكتب المرء، في أيام كهذه، حيث القراءة لوحدها، بوصفها فعلًا سابقًا أو ربما -بالاعتذار من كليطو وبورخيس قبله- متدنيًّا عن الكتابة، عملٌ جبّار خارقٌ مذهلٌ، يتلقى الناس عليه التهاني والتباريك؛ بوصفه إنجازَ عامٍ هائل، لم يكن بورخيس نفسه -لولا عماه المتأخر- ليحوز مثل ثلثه، لو بقي حيًّا ومبصرًا، من يوم مولده، حتى اليوم. يذكر هاري ماثيوز، أن “تجربة القراءة، هي تجربة القراءة، وأنه في أميركا، ثمة تقليد يقول أن ما يجب أن يفعله الأدب، هو أن يقدم لك شيئًا حقيقيًا، وفيما يخصني -يقول-، الشيء الحقيقي الوحيد، هو الكتابة”.
عدد المشاهدات : 3512
غزّة إحدى أعتق المدن في العالم، وقد تمت الإشارة إليها في سفر التكوين إبان المراحل المعتمة السابقة على أبراهام -سفر التكوين- الإصحاح العاشر، ص19. تم الاستيلاء على غزة مرارًا وتكرارًا، وجرى محوها، ثم إعادة بنائها من لدن كل الشعوب الموغلة في الماضي.
عدد المشاهدات : 565
الأمم، مثلها مثل المعتقدات السياسيّة، قابلة لأن تكون متفائلة قدر ما هي قابلة لأن تكون متشائمة. الولايات المتحدة واحدةٌ من قلّةٍ من البلدان حيث التفاؤل يكاد أن يكون أيديولوجيا الدولة. ولا تضاهيها في ذلك إلا كوريا الشمالية. ترى قطاعاتٌ واسعة من أبناء الأمّة أنّ التنّمر من شيَم الوطنيّة، فيما السلبيّة تكاد أن تكون جريمة فكريّة. أمّا التشاؤم، فيُنظر إليه على أنّه فعلٌ تخريبيّ إلى حدٍّ كبير.
عدد المشاهدات : 1267
“ماما، أريد كرة أرضية مثل التي اشترتها والدة إلياس له في عيد ميلاده!”. سُررت لطلب ابني في سري لأنه بدأ يهتم بالجغرافيا قبل أن يدخل المدرسة، وبدأت البحث عما يناسب عمره، فعثرت على كرة متحدثة.
عدد المشاهدات : 823