الفائزون بنوبل، الجديرون بالنسيان
مدير التحرير
نكاية في الإنسانية
لنكُنْ الآن واقعيّين: أعرف أنكم تعرفون أكثر مني تاريخَ هذه الجائزة وتاريخَ صاحبها، ولكنْ دَعوني أسألكم: ماذا قدّم -على سبيل التمثيل- كلّ من كوفي عنان ومحمد البرادعي للإنسانية حتى نالا جائزة نوبل للسلام؟ ألَم يُساهم كوفي عنان، وإنْ بصمتٍ ديبلوماسيٍّ، في تشجيع تجارة الحربِ بين الشعوب مثل حربِ أميركا على العراق التي ذهب ضحيّتها 160 ألف شخص حسب إحصاء أوردته “هيئة إحصاء القتلى العراقيين” ونُشِر في “بي بي سي”؟ وما القيمة الأدبية لكتابات الفرنسي باتريك موديانو (قرأتُ ثلاثة من أعماله) حتى ينال بها نوبل للآداب؟ ألم يستغرب المثقّفون الفرنسيون أنفسهم أمرَ فوزه؟ ولماذا غلبَ الحديثُ عن “النِّضال الصحافي” للبيلاروسية سيفتلانا ألكسيفيتش، الحديثَ عن أدبها حين فازت بالجائزة؟ أليست الجائزة خاصة بالأدب وليس بالنضال الصحافي؟ ولنَعُدْ إلى الكبير نجيب محفوظ، الروائي الذي حبَّبَ إليّ الرواية، وجعلني لا أرى فيه إلا مبدِعًا جديرًا بكلّ جوائز الأرض وحتى جوائز السماء، ألا تُعدُّ روايتُه “أولاد حارتنا” التي منحتها الأكاديميةُ السويدية جائزة نوبل أضعفَ ما كتب من سردٍ على الأقل من جهة استنساخها التاريخ الروحي للبشرية استنساخًا كربونيًّا بلغ فيها حدَّ التشبُّعِ والملل؟ وإذن: فإما أن لجنة نوبل لم تقرأ كتابات نجيب محفوظ الأخرى أو لم تعتمد تقارير قراء فعليين لمُنجزه الأدبيّ، وإمّا أنّ منحَه الجائزة عائدٌ إلى أمرٍ آخر. لن أخوِّنُ هذا الكاتب الكبير، ولكنْ عليَّ ألاّ أحكم بالظاهر على أمر الجوائز جميعها، الحكم عليها لا يكون صائبًا إلاّ متى كان مبنيًّا على خَفِيَّاِت أمورها، على سوء نيّة أدبيّة. ومن باب هذه الخَفِيّاتِ أقول: هل كان ألفريد نوبل سيتبرّع بثروته لو أنجب ابنًا وَرِيثًا؟ ألا يشي هذا التخمينُ بأنّ وَقْفَ ثروتِه لم يكن تكفيرًا منه عن إحساسه بذنب اختراعه الديناميتَ ووعيه بمخاطره على الإنسانية (وهو واع بذلك تمام الوعي بسبب موت أخيه جرّاء أحد الانفجارات)، ولم يكن أيضًا حُبًّا منه للناس (لو أحبّ الناسَ لكانَ قسّم عليهم مالَه في ذاك الزمن الجائع) وإنما كان يريد من ورائه تحقيقَ هدفٍ خاصّ؛ إنه وجد في إحداث الجائزة ما يُخلِّدُ به اسمَه نكايةً منه في تلك الإنسانية، وزيادة في تحسيسها بالألم؟
“عَمُّو أدونيس”
ترشَّح أدونيس لجائزة نوبل للآداب أكثر من اثنتيْ عشرةَ مرّةً، هذا ما تداوله الإخباريّون الثقافيّون، وما من مرّة يُعْلَنُ فيها عن اسم فائزٍ بها إلا ويهجُرُ أدونيس الناسَ ويعتكف في غرفته أيامًا على حدِّ ما يقول أصحابه الذين يجلسون معه في مقهاه الباريسيِّ (لا أدري هل يبكي في تلك العزلة أم يندب حظّه التعِسَ أم يراجع الثابتَ في سيرته والمتحوِّلَ منها). وفي خلال هذه المرّات العديدة لم يتجرّأ ويخرج للناس رافضا ترشيحه لنوبل، معلِنًا عن كونه أكبر منها، وله في الثعالب حكمةُ قولها لما استعصى عليها بلوغ عراجين العنب: “إنه حصرم”. لو فعل ذلك لكان كبيرًا حقًّا، على الأقل كبيرا بالاستعارة. الحق أني أرى أدونيس جديرا بالفوز بنوبل للآداب لأسبابٍ عديدة لا تعود إلى شعريته (أدونيس يكتب شِعْرًا ولا يكتبُ الشِّعْرَ) ولا إلى مواقفه الإنسانية (يعجبني فيه موقفه من الدوغمائية)، وإنّما تعود جميعها إلى جسده الأدبيّ، جسدٌ قدّم لجائزة نوبل أكثر ممّا كانت تأمل منه من مواقف سياسية وثقافية: قدّم لها حُبَّه العُذريَّ.
لا أخفي رأيي في أنّ أدونيس، الهارب من اسمه علي أحمد سعيد، يعاني منذ نهاية مجلة “شعر” حالاً من انقطاع الحيض الكتابي (صار لا يبيضُ أدبًا)، ولم يُنتج من وقتها شيئا ذا قيمة أدبية، كلّ كتاباته الموسومة بالشعر ليست سوى لَغْوٍ لُغويٍّ شبيهٍ بهذيان البارنويا، حتى شعره كان بلا شِعْر، وأتحدّى أيّ قارئ عربي أن يجد في ذاكرته -في هذه اللحظة- بيتا واحدا أو جُملة تامّة واحدة من شعر أدونيس على غرار ما يجد فيها من أشعار المتنبي ودرويش ونزار قباني وغير هؤلاء كثير. أدونيس جدير بجائزة نوبل لأنه صنم ثقافي يُحيلُ على بنيةِ الفكر العربي الراهن، وتروِّج لتعاليه بقيّةٌ باقية مِن سكّان الكهوف الذين ما يزالُ الشَّعرُ يغزو جلودَهم، فلا يظهر من أجسادهم إلا أظْفارٌ معقوفةُ حادّةٌ تصلح للحَكِّ الأيديولوجيّ (مِنْ هؤلاء مَن سيتفرّغ الآن لشتيمتي).
عدد المشاهدات : 207
شارك مع أصدقائك
Comments are closed.