دليل الفاشلين في الحُبّ
ريم الفضلي
هذا الدليل وهميّ، لا يقود إلى شيء، من يصل إلى شيء، فهذا حصيلة هوى نفسه، وفلتات بصره، في المولات، وصور البروفايلات، كما إنه كذبيّ، لا يتطابق مع الواقع، كاتبه يتبرأ من أحداثه، إنما أحاديث بنات، حكينها لبنات أخريات، حكينها لبنات ثانيات، دون أن يقلن أسماء الفاعلات، إلى حيث لا تنتهي الأبدية، لم تقلها حواء، كان لحواء العجب، لو شاهدت ما يفعل عيالها ببعضهم، هذا الدليل للملحدين والعلمانيين والليبراليين، الذين يجيئون من النافذة، منهم وإليهم، المسلمون يحبون بطرْق الباب، على سنة الله ورسوله.
“ليتني للزين آيلانر”
دليل الذين لم يجدوا نصفهم الثاني، أنصافهم الثانية الضالة في الحياة، لا أحد يعرف أينهم هذه اللحظة، تتخبط هنا وهناك، لم تصل بعد، للذراعين الصحيحة. الناجح في الحب، لا يتساءل ولو لوهلة، مشغول بأشياء أخرى، لقد أحبّ بكمال، يستطيع الآن الموت ممسكا بوردة، والانصراف من هنا. من رفة عين، أو جناح، لا يبزغ له سوى وجه واحد، لا شريك له. الفاشل في الحب، يتيه في الوجوه التي عبرت، التي تعبر بفتور، وجوه الآن لا تعنيه ملامحها، لم يقرأها أصلها، ينسى أسماءها، لم ينقشها أصلا.
لهؤلاء، كتب الشعر، وجدت السريالية، والطرق مكسورة العلامة، وألفت ماجدات الروايات، وحدثت الملاحم الحلوة والمريرة. وتستمر مغامرات الإنسان، ويبتكر المزيد من الهراء عن عُقد عاطفته، ويهزل الإنسان، الكائن الوحيد الذي يملك القشعريرة، قاطعًا الرحلة الطويلة في البحث عن الذات، والسبر عن معنى. تشتري هذا الكلام؟ أتمنّى نعم.
تحب نفسك؟ أنا لا أحبّني، تجي تحبّني؟ وتفك تماسك الشعور بيننا؟ سأفكر عندها بحبّني، سوية على الأقل، ونصنع من العالم كرنفالا، غادة السمان توقفت عن تصدير الحب المجنون، تنشر رسائله فقط، أعدك أن لا أفعل، سوى على حبل الغسيل، أو سآكلها إذا كانت لا تطمئنك نوافذ الجيران. هل أحببت بنت الجيران؟ هل فتحت نافذتك بقدر ١ سم، وقلبك تلقاء وادي العقيق، واسترقت النظر، تلقاء ”سود العيون” هناك. لكن بنت الجيران لم تظهر، كان هناك ساترًا، ليس لديك قصة خلاقة يتناقلها الأحفاد، بقيت قصة طلاق، ملقاة في آخر اليوم.
الفشل صروف وظروف. هناك لعنة الهوى. وإبرة البوصلة المرتجة. تحب ليلى، تهيم بها، في نفسك عليقة وجد منها، ”هذيك نفسي عليها حيل شفقانة”، لكن ليلى لم تكن يومًا رياح صبوها إليك، ليلى تعلق حبال أملها بقيس، سواك، تترقبه، ليلى غزلت سبعين حلمًا من بطولته، ليلى تنتظره، وربّ ليلى إذا انتظرت، خطّ طويل من الصبر، يعبر القلب، وينحت الجفن. احشم صبرك، يمكنك الانصراف بعيدا. ابتكر رابطة مساكين في الهوى تجمعكم. أنت لا تعرف، قيس ليلى هذه مشغول، لديه أشياء أخرى، دومًا لديه ما يربط باله، يحب ليلى، لكن ليس لحد ارتكاب الحماقة. هناك ليلى أخرى في الخلفية. وتستمر الحياة، والكثير من الليلات والقيسون في المركب، يعبرون زخام الضياع، قد يجتمع هذه وهذا، ذاك وتلك، لكن ليس في كل مرة، تحدث قرصة العقرب الأليمة.
“يا أرض احفظي ما عليكي… صفر، خمسة، ******”
مشكلتك التوقيت. تصل قبل الأوان، تسبب الربكة، تشعر بالخطأ، لون فاقع بين ألون هادئة، لا استعداد لك، لا انقداحة، وتنسحب، لا صفير ولا صرير. لا حسرة، لا ألم. وتصل كثيرًا بعد فوات الأوان، أقدار وُزعت، مهج تُبودلت، رسائل طارت، وأطفال يركضون في الخلفية، وتبقى، ترقب المشهد بسرور، ووحدك من يبادل نفسه الضحكة، بعد أن يكف الآخرون عن التبسم. ترتبك أبديًا للعيون الحلوة، من انسدال نظرة عليك، لكنك لا تفعل شيئاً، تدعي دوما أن رشّة ماء قلبية لم تحدث، وأن لا وجود لوردة حمراء مقذوفة في المشهد، ثم تطقطق على الجوال، ثم تنسى، ثم تتواجه مع السقف الأبيض الشاحب، يضحك منك، لا غيمة، لا حلم، لا رسائل معطرة، لا بطيخ.
-تدرين ليه مصر أكلمك؟
-ليه؟
-أحبك
-(بلوك)
الجو الغائم علامة، كل حبيب مع حبيب، في رفقة دافئة، أو في ذكراهم، الفاشلون في الحب، لهم نفس المشاعر، لكن تسيطر صورة دامسة سوداء، بلا ملامح، إنهم لم يلتقوا أحدا بعد، يستطيعون إعلائه لهذه المكانة. الضياع حكمة. فيبدؤون إعطاء دروسا في العلاقات، يوزعون نصائح عن الجاذبية، وكيف تخلق فرصا، يشبكون أصدقائهم، يقترحون لهم قائمة، يقولون لهم ما المناسب ما لا، وفي المصائب العاطفية، لهم باع في التهدئة، في شرح تعقيد العلاقات البشرية، في أهمية التجاوز، في ضرورة النسيان. لا يظهر ماضيهم الأسود، الانتقال من شخص إلى شخص، من اسم إلى اسم، في الهواتف، تستضيفهم قلوب، وتطردهم أخرى، يبدؤون مرة بسناب شات، وينتهون مرة ببلوك في الواتزاب، اسمهم مرة: حب روحي، ومرات أخر: الحيوان فهد.
من الفوضى المعتادة لمواقف أمام مركز تجاري، أخرج رأسه من السيارة وعوى، نظر إليها، ثم عوى، أطلق عواء صدّاحا في الليل كله، لقد عوى كما لم يفعل ذئب بشري من قبل، لا في مطوية، ولا في غابة، كان من الممكن الضحك للمشهد، وكان من الممكن البكاء، لك ما أردت، الأم اختارت الدعاء عليه، واختارت الضحك هي. ٣ طفلات أمامها الآن، وذلك العواء ما زال يرتج صاخبا في تلافيف قلبها، له رنّة الضحك والعويل هذه المرة.
التعارف من الشارع، يظل تعارف شوارعيًّا. بحسب ما يشير إليه الشارع عندكم، شارع الأطفال الرجال، ولائم “توفي لك”، رعاية القطط العرجاء، سكب الماء على رؤوس العابرين، أو الشوارع الخلفية لمؤامرات الأشرار، والألفاظ البذيئة. الشارع وجهة نظر، فكرة مصغرة عن الحياة، لك عقل التقييم، لا حذو الأوصاف السائدة. الحب سوق الآن، البضاعة رائجة بكل درب، وناس تروح، وناس تجي يا علي. لا عليك. الأحبة المحتملين مركومين على بعد برنامج، لو شحذت همة تواصلك، لكن، لكن تعرف أنك آنها لا تختنق بغصة التناسق الطويلة، لهذا، يتأجل كل شيء بشكل مربك.
كان الليل، وسياج طويل على بحر ساكن، خلاء، إلا من بضعة جالسين في مطعم مجاور، وقفت ورفيقتها أمام البحر، وصرخت لليل: “أنا أحب واحد، من طرف واحد”، عدلت عباءتها ومضت. لم يحدث أي شيء.
للفاشلين في الحب، تبعثرت الدروب، لا دليل استخدام مرفق للحب أبدا. هذه خدعة تجارية، لفراغكم العاطفي. يجيء الحب كمذاق عصير برتقال صيفي، أو صدمة شلال ماء يمخر عباب الشتاء والوحشة. الحب أن “كلما ذكرتها النفس طال نحيبها”. نار وشرار، وكيّ للجنوب والجفون. أو “الحب كلام فاضي، بلا حب بلا كلب”.
الحب رحلة بحث عن ثاء خاء مستمرة، أو عن مزة متأهبة. لا أحد يعرف الفرق، ما الصحيح، ما الخاطئ. العيش أولا، الاستمتاع مؤكدا. الحب يجيء مع مآسي العقد والتربيط والتكاليف، وكشف حساب لماذا فعلت هذا، لماذا لم تفعل هذا، بوسعكم التنهد من حريتكم الآن. أو يجيء الحب بالعذوبة المتدفقة من وردة صباحية. ريال منها، ريال منه، يخلق تويكسا لا يتكرر، لاثنين، ليس لواحد وحيد، من أجل لقطة مع البسيطة، لربيعين، مع البهجة، تتراقص في الخلفية، مع عين العدسة، وهي تغرق في دمعة فرح. بوسعكم البكاء الآن. الله كريم، يداوي الجرح الأليم، أخوة الحبّ في كل مكان.
عدد المشاهدات : 2723
شارك مع أصدقائك
One Comment