رسالة إلى تورغينيف | فلوبير
مدير التحرير
عزيزي تورغينف
لقد مستنيّ بعمق رسالتك الأخيرة. شكراً على حثك وتشجيعك ليّ. لكن ما أتغذى منه ليس له، للأسف، من علاج، وهذا ما أخشاه. فإلى جانب الأسباب الشخصية لحزني (موت كلّ الذين أحببتهم، في السنوات الثلاث الأخيرة)، يحبطني كذلك وضع المجتمع. أجل، تلك هي حالتي. قد تكون حمقاء، لكنها قائمة. يقلقني غباء الجمهور. فمنذ 1872، أصبحت وطنياً، حيث أراقب بلدي وهو يموت، ذلك البلد الذي أشعر بأنني أحببته. ربما تتخلى بروسيا عن أسلحتها: غير أننا يمكن أنْ ندمر أنفسنا تماماً دون عونها.
لقد أهتزت برجوازيتنا حدأً فقدت فيه كلّ غريزة بقاء تُدافع بها عن نفسها، ومنْ سيأخذ مكانها سيكون أسوء منها. تملأني كآبة الأطباء الرومانيون في القرن الرابع: أشعر بنهوض بربرية من أعماق الأرض، آمل أنْ أكون قد رحلت قبل أن تجرف هي كل شيء. أثناء ذلك، لم يكن الوضع بهيجاً. إذ لم يحدث من قبل أن تمت معاملة أشياء العقل بمثل هذا البخس، ولم تكن كراهية ما هو جميل قد بلغت مثل ذلك الوضوح، احتقار الجمال ومقت الأدب.
لقد حاولت دائماً العيش في برج عاجي، لكن الفيضان الخرائيّ صار يضرب على جدرانه، ويهدّد بتحطيمها. الأمر لا يتعلّق بالسياسة، بل بالذهنية الفرنسية السائدة. هل أطلعت على منشور جيّل سيمون (كان سيمون وزيراً للتربية الوطنية)، بخطته التي تتحدث عن إصلاح التربية الوطنية؟ المقطع الذي كرسه للرياضة البدنية أطول من المخصص للأدب الفرنسي. وذلك ما يشكل عارضاً له دلالته.
وباختصار، يا صديقي العزيز، لو لم تكن تسكن في باريس، لكنت قد سلمت مفاتيح شقتي على الفور لمالكها. لكنّ أمل رؤيتك هناك، من حين إلى آخر، هو الذي جعلني أحتفظ بها حتى اليوم.
ما عدت أتحدث مع أيّ من مواطنيّ دون أن أصبح مجنوناً من الغضب، وكلَّ ما أقرأه لهم يجعلني أهتز من الإزدراء. وضعية تليق بالمرء! لا لأنها تمنعني من إعداد كتاب أحاول أن أتقيأ فيه مرارتي، والذي بوّدي النقاش معك حوله. وهكذا، تلاحظ بأني لم استسلم للقنوط. فإذا ما توقفت عن العمل، سيكون أوّل شيء أفعله هو إلقاء نفسي في نهر وقد شددّت صخرة بعنقي. فعام 1870، قاد الكثيرين إلى الجنون، وخلق العديد من الأغبياء، كما خلّف القسم الثالث في حالة سخط دائم. أنا ضمن الفئة الأخيرة. أنها الفئة الصحيحة.
في غضون ذلك، لتعتني بمرض النقرس عندك، يا صديقي المسكين، ولتعلم جيداً بأني أحبك.
عدد المشاهدات : 672
شارك مع أصدقائك
Comments are closed.