سورة الرفض، آية اللّا

سورة الرفض، آية اللّا

عبدالعزيز البرتاوي

اثقل. كل ما أطلبه منك: اثقل. هذا زمان الخفّة. الخفة التي لا تحتمل. هذا زمن الوضيع الذي لم يقرأ كتابين، ويحاضر عن تاريخ الإسلام. هذا زمان الحفلة؛ حفلة التفاهة بالطبع. زمان الحفاة العراة رعاع البراميل والبترول؛ يحدثونك عن لا جدوى المقاومة، وخطأ الغزاة غير المقصود.

ارتع. تمشّ. تقلّب في كل السهول. كلْ برسيمًا طازجًا، وتناول شعيرك العضوي كل صباح؛ لكن إياك أن تناقشني في جدوى النباتية، بينما يلغ الأعداء في لحم أخيك.

عدّ كتبك. نمِّ أسفارك. أذع أسرارك. وانشر عورتك وعوارك. اكتب عن الحبّ، وعن قهوتك، وعن مكتبة جد أبيك بالوراثة. وعن لوحة فنية وحيدة من نوعها، في مطبخ بيتكم. لكن حين يتعلق الأمر بالكرامة، أو الشرف، فالزم مكانك. لا تفرق ذبابة بين مكبّ قمامة ومصنع عطر. لهيَ إلى المزبلة أميل.

لغْ في دم أخيك؛ لكن إياك أن تحدثني عن مستوى انخفاض الكولسترول فيه. دع رذالتك تأخذ مجراها ومجاريها بينك وبينك. لا نسقَ في الوساخة ولا متسق. قبلك ألف أبي رغال؛ عبروا نحو المزبلة، ثم ماذا؟ حجارة الذين جاؤوا من بعد تكفلت بالشاهد الوضيع، والشهادة.

ألم يقل غسان من قبل: أخشى أن تصبح الخيانة يوما ما؛ وجهة نظر. ولربما نسي أن يقول: والوضاعة أيضًا. ثمة بلدان يصبح وسام الشرف الوطنيّ فيها، أن تكون وضيعًا أكثر. يصبح مواطنها الأميز: لاعق حذاء كل عدوّ، ومقبّل كفّ كل صافع، وجالب كل تبرير، لخطيئة لا يصلح معها تكفير.

التقيت يومًا ما، صدفةً -وليس هذا بخيال ولا مجرد كتابة-: حمارًا بشريًا في مقهى في دولة مجاورة. وأقسم بالله إن الكلب عرّف نفسه بكونه مناصر إسرائيل. هكذا بدون مقدمات. وجلستُ على طاولته. وأزحت جهازه حتى كاد يسقط، وقال مرتعبًا: مالك؟ طاولتي وجهازي؟ قلت له: ما تفعل إسرائيل غير هذا يا وضيع؟

تختار لي غزلان اللاهية في عالم الآتين من كوريا الجنوبية، ورقصها وتكنولوجياتها، أربع صور لخلفية شاشتي -التي لا تعجبها دومًا-، قاسم صورها المشترك: قبة الصخرة. أنا الآتي من سنين الدموع والحكاية لأجل فلسطين، من كرسي ياسين المشظّى، وفجيعة أب الدرة، وأزيز باصات تل أبيب، تختار لي الآتية من أيام الضحك واللهو صورًا عن فلسطين. ماذا أودّ لوعي غير هذا؟ أنا الذي كنت أحسب محمد الدرة سيصبح قصيدة لدرويش، وياسين نشيدًا لحماس، ما كنت أتوقع أن أراه محكيًا في برامج الصغيرة التي لم تولد إلا بعد حتفه/حتفنا، بسنين.

ثم إنه كل رأي يقبل ويردّ، إلا ما كان عن فلسطين. يقبل ويقبّل. وأبوس الأرض تحت نعالكم، وفوقها، ونقول: نفديكم.

أيها الوضيع الذي جاء على غفلة من الدهر، ونشأت دولته كما تنشأ كمأة سامة، على حين من الزمن -حظيرة في يافا، أكبر منها عمرًا، وأطول تاريخًا- كيف لنا أن نقبل منك قولا أو فعلا، وأنت لست سوى عبد مأمور، أن ساقك السوط والصوت إلى الصلح، ركضت، وإن تركوك إلى غيره، نبحت، وليس لك من أمرك إلا السمع والطاعة. أيعرف قاموسك الدنيء مفردة خرافية كالرفض، وتحوي حروفك البليدة كلمة كريستالية تلمع كـ: لا.

***

منتهى:
إلى باسل الأعرج.

مفتتح:
قل كلمتك، وامش.


عدد المشاهدات : 2280

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.