قواعدي في الكتابة
مدير التحرير
الكتابة هي الضريبة التي ندفعها لقاء عزلتنا وتوحدنا مع ذاتنا. هي اختيار العالم الجواني بدل الخارجي، وتفضيل الساعات والأيام والأسابيع والسنوات في عالم الوحدانية، على المتع والحياة الاجتماعية الصاخبة. قد يحب الكاتب أحيانا النميمة مع صديق حول أحدهم، أو الانخراط في حفلة مجنونة، لكنه يعرف أن فعل الكتابة ينبع دومًا من عزلة خالصة.
الطريقة الوحيدة لتعلم الكتابة هي بممارسة فعل الكتابة. الموهبة مهما بدت متوهجة لا تساهم بأكثر من 12% في عملية الكتابة. العمل الدائب والصبور والمتواصل هو ما يساهم في 80% من التطور والارتقاء الكتابي، والـ 8% المتبقية يمكن نسبتها إلى “الحظ” أو بصورة أدق إلى تلك العوامل التي تقع خارج نطاق إرادتنا وقدرتنا في التأثير.
اقرأ كثيرًا، ولكن لا تقرأ لذات الكتّاب دومًا. اقرأ بتنوع كبير، وبلا ترتيب معقلن كثيرًا، متى ما كان هذا ممكنا. لا يمكن اختزال كتابة الرواية إلى محض وظيفة محددة في أطر ضيقة وصلبة.
اكتب الكتاب الذي لطالما وددت قراءته. إذا كنت تحب ما تكتب (وهذا لا يعني أنك لن تعاني كثيرًا في كتابته) فهذا يعني على الأغلب أن الناس ستشعر تجاه ما كتبت بنفس ما شعرت أنت. إذا ما انعدمت المحبة بين الكاتب وما يكتب، لن يكون ثمة ما يدفع القارئ لمواصلة قراءة ما كتبه الكاتب.
لا تخش الاكتئاب، فهو جزء مهم من عدة السفر اللازمة للولوج في طريق الكتابة، ولكن لا ينبغي أبدًا أن نتعامل مع هذا الاكتئاب برومانسية مفرطة، فنكون كمن يتلذذ بهذا الاكتئاب. فقط تعامل معه كروح حرة وكصديق غير موثوق به، يأتي ويذهب متى شاء.
لا ترحم ذاتك في العمل. اقطع، ألغِ، نقّح ما شاء لك، مما تكتب، وبلا رحمة. ألغِ صفحات كاملة مما كتبت. الكتابة السيئة كالعلاقة السيئة، لذا لا تدمن عليها لمجرد أنك اعتدت وسائلها السهلة والمريحة والمطروقة، فحسب.
لا تكن قاسيا مع شخصياتك. لا تقلّل أبدًا من قدرهم ومكانتهم. وظيفتنا ليست أن ندينهم، بل أن نفهمهم ونساعد الآخرين على فهمهم أيضًا. التعاطف، هي الكلمة المفتاحية السحرية في علاقتك مع شخصياتك.
لا تبح أبدًا بالرواية التي تكتبها أو تنوي كتابتها لأي كان. فمتى ما بحت بهذا، ستخسر الطاقة الروحية اللازمة للاندفاع بالعمل إلى نهايته.
انس أمر القرّاء والنقاد. انس أي أحد. اطرح عن بالك فكرة أنّ ثمة كونًا خارجيًا يقبع خارج ذاتك.
انس أمر كل واحد من قواعدي السابقة في الكتابة. فليس ثمة من قواعد للكتابة، وذاك هو الجمال الكامن في فعل الكتابة. وتلك هي الحرية الثمينة التي لنا امتياز امتلاكها، والتي لا ينبغي أن نسمح لكائن من كان، أن ينتزعها منّا.
_________________
* من مادة حوار مطولة، مع الروائية التركية، إليف شافاق. ترجمة الأديبة العراقية: لطيفة الدليمي. نُشرت المادة في صحيفة المدى بتاريخ 12 فبراير 2014م.
عدد المشاهدات : 676
شارك مع أصدقائك
Comments are closed.