كفاحي
عبدالعزيز البرتاوي
تقول الأرصاد التاريخية
أنه في مثل هذه الليلة التعيسة
ولدتُ.
الأرصاد التاريخية، هه
أيّ حرب عالمية كنت
أيّ غواصة مدمِّرة
ومدمَّرة.
*
أستفتح إبريل هذا
بأن أتواجد في سكاكا
المدينة المنبوذة
في الشمال
هل توجد مدينة
خارج الثلاث الكبرى
ليست منبوذة؟
*
مررت البارحة بمسجد الفاروق
ابن الخطاب الذي عبر
دومة الجندل
متجها صوب القدس
ليسلمها، هههه
-الصهيوني الملعون
يقرأ مبتسمًا الآن-
ليستلمها، ويضع حجر
أساس التعايش
الذي يقبع الآن في
موضعه الصحيح:
يد أطفال المقاومة.
*
منذ ١٣٨٤ عامًا
مرّ عمر من هنا
لا يمكن لأبيض أرعن
أن يعطيها إياهم
بعد كل هذا الدهر
عبر توقيع يشبه أيام حياتي
وزمان كيانهم المسخ
أقل من تاريخ دكان حيّنا.
*
في السياق العام
لم أعد أكذب
صرت مكشوفًا
وبحاجة لأفاجئ
الآخرين، بصدقي.
*
سنين كثيرة مرت
انتظرت أشياء كثيرة
جاءت
وانتظر أشياء أكثر
لم تجيء
ولربما كانت ثيمة حياتي:
انتظار الأشياء التي لا تجيء.
*
منذ يومين
التقيت راعي أغنام
يسكن الصحراء
منذ ثلاثين عامًا
لم يغادرها
مرت عليه الكثير
من الأيام والخرفان
والمصائب والرياح
ماذا يكون عمري إزاءه؟
*
وأنت الذي لا زلت تقرأ
هه، ألا يوجد لديك ما يشغلك
عن متابعة مثل هذا؟
*
لديّ أوراق كثيرة
لمقاضي سوبر ماركت
فواتير أجهزة تخرب منذ الشهر الثاني
ولا أذهب لإصلاحها
كعوب تذاكر لمدن لا أتذكرها
إيصالات مقاهي سيئة
رسائل لأشخاص مجهولين
أو لم يعودوا يرغبون في التواصل معي
كاتلوجات استعمال أشياء جديدة
صارت قديمة جدًا
شهادة تفوق في مادة الكيمياء
حصلت عليها عبر غشي الإجابة من الكتاب
وكنت الوحيد الذي نجح في ذلك
*
لا توجد لديّ حكايات هذه المرة
لا توجد حكم ولا مواعظ
لا قصص ولا نصائح
لا يوجد حشد لإعطائه موعظة
البعض في السجن
والآخرون مشغولون بإثبات وطنيّتهم
كي لا يلحقوا الأولين.
*
شاهدت مقطعًا بالأمس
يشرح فيه أناس رائعون
معنى فكريا ما
وأعجبت بمحتواه
حرفيا: كل من في المقطع
موزعون ما بين شريد
أو مسجون أو حتى للأسف: مقتول.
وهذا ما لم أكن أحلم به في أي رواية
خيالية إجرامية.
*
اكتب استقالتي كل مساء
وفي الصباح، حين لا أجد ما أقوم به
أفكّر: لماذا لا أذهب إلى العمل
لتمضية بعض الوقت
وشرب قهوة مجانية
وتصفح بعض المواقع
هه، لأؤجل استقالتي إلى الغد
وبارتياب موظف جديد
أدخل عملي كل صباح
ولا أتلقى أية أوامر للشغل
كيف يمكن يا حمقى لموظف جديد
القيام بكل هذه الطلبات؟
*
النقود؟ تأتي وتذهب
الناس؟ إنهم كثيرون في هذه المدينة
لكن ما من أحد هنا
النوم؟ ساعات كثيرة
وأرق أكثر.
*
لم أعد أحلم أحلاما جيدة
وإن حدث مرة وكان الحلم جيدًا
نسيته قبل أن أصحو
بينما الأحلام السيئة وافرة
كوابيس، كل قيلولة، وكل ليلة
وحين أصحو لا أتذكرها أيضًا
لكني أراها واقعا.
*
أشاهد صوري القديمة
هه، من هذا؟
تقول الصورة لي.
*
لا أفكر بالذهاب إلى النادي يوميا
تواءمت مع جسدي المترهل
قلبي من يحتاج الرشاقة
مملوء بكولوسترول المجاملة
ودبق العواطف اللزجة
*
اشتريت كتبًا كثيرة
منذ لم أعد اقرأ
توجد لدي قائمة مئوية بالأفلام
التي سأشاهد في أوقات لم تأتِ
عناوين كثيرة للبحث والكتابة
ومشاريع طويلة الأمد
كمشاريع الحكومة
تسمع بها ولا تراها
يجب أن أعترف:
أنا وطني في هذه الناحية
*
بو تفليقة
“بو تفلة” كما يسميه أبي
هرب البارحة
لكن الذين بالشارع، نحن
لم يَهرموا هذه المرة
لقد ماتوا
ولذلك لم نحتفل
*
رجل عجوز دخل المقهى البارحة
طلبَ قهوة رسبريستو أو كمشتينو
وأنا أعرف المقاهي جيدًا
أمضيت نصف عمري على طاولاتها
لكني لم أسمع بهذين الصنفين
قلت له لقد تأخر الليل يا عم
لماذا الاسبريسو الآن
وكيف ستنام؟
أجابني وهو يشعل سيجارةً:
في الموت لنا نوم طويل.
*
ومرة أخرى: أكتب إليكم من سكاكا
ههه، يا لها من نكتة.
ما الحياة، سوى نكتة
نكتة بذيئة، تخجل من ضحكك عليها
لكنهم آخرًا سيضحكون عليك
بوصفك بطل بذاءة هذه النكتة.
*
عمري أصبح الآن، ههه
كيف يمكن أن نعرف حساب العمر
وأنت بعد قراءتك هذا الهراء لوحده
لم تعد بالعمر الذي كنتَ قبله
فاللحظة، ماضٍ، بعد لحظة.
عدد المشاهدات : 1700
شارك مع أصدقائك
2 Comments