وأزهر اللوز

وأزهر اللوز

فاطمة محمد

“قلتُ لشجرة اللوز حدثيني عن الله، فأزهرت شجرة اللوز”. نيكوس كازنتزاكيس

في فناء قديم، أذكر الصنوبرتين: التينة والدرّاقة، وأختهم الكبرى: اللوزة. الكثير من الجارات بينهن، لكنهنّ الأبقى في ذاكرتي.

تقول جدتي: إن الأشجار وحدها، تردّ لك الجميل كما يجب. فالخير في ذاكرة الشجرة، لا يُنسى، وردّه يكون مضاعفًا. نقضي نهارات الصيف الطويلة، متقاسمين ظلّ اللوزة، والريح تهدهدنا لنغفو.

وبعينيها المتعبتين من الانتظار، كانت تتأمل مفرق الطريق المفضي إلى “الركيب”، أحدهم لابد أن يعود سالكًا هذا الدرب. وكمن يعبّر عن ألم صدره بالسُعال، كانت جدتي تغنّي. بذلك اللحن الذي لا أنساه أبدًا، وذلك الصوت البعيد الذي لا يُسمع الآن سوى داخل رأسي.

أُفكّر بساق الزهرة النحيل، بالعِرق الأخضر الممتد في ذراع أمّي، بأوراق شجرة العنب حين تجمعها جدتي، بشجرة المشمش واقفةً في مدخل الدار، بشقوق الجدران الزرقاء. بالأرض التي لا تنشقّ ولو مشى فوقها أثقل رجل، وتشقّها جذورٌ واهنة، “امنحيني النور يا أمّاه”، فتفتح لها الأرض عينيها وقلبها.

لشجرة اللوز العملاقة، لوردها الأبيض، ولوزاتها الـ تسقط بأيدينا، شجرة اللوز، التي عاشت أكثر من نصف قرن، تُظلل أجيالًا تعبر تحتها، تطعمهم، وتأويهم، بأغصانٍ في كلّ اتجاه، وأوراقٍ تعزف لحنًا شجريًا مع الريح.

شجرة اللوز، أو كما تقول جدتي: “أمّنا”، صارت تضايق سيارات الأبناء والأحفاد في تلك الباحة، فقرروا قطعها.

في زيارة جدتي الأخيرة لذلك البيت الذي تقف اللوزة أمامه كل هذا الأمد، كانت تطيل التحديق فيها، بينما هم يشتورون كيف يمكنهم إزالتها بأقل الأضرار.

لم يعرف أحد أن الشجرة وجدتي، كانتا تتبادلان النظرات، ولم يعرف أحد، أن الشجرة وجدتي كانتا تحتضران.

عدد المشاهدات : 1767

 
 

شارك مع أصدقائك

One Comment