هجاء الوظيفة | بوكوفسكي

هجاء الوظيفة | بوكوفسكي

مدير التحرير

في عام 1969، قبل عام على عيد ميلاد بوكوفسكي الخمسين، عرض صاحب دار نشر black sparrow جون مارتن، على بوكوفسكي راتبًا شهريًا وقدره 100$ مقابل أن يترك عمله ويتفرغ للكتابة بشكل كامل. (لم تكن فكرة جديدة بأية حال فقد فعل ملك بولندا الأمر نفسه بشكل أساسي للفلكي العظيم يوهانس هيفيليوس قبل خمسة قرون). أذعن بوكوفسكي بسرور. وبعد مغادرته العمل بأسبوعين أنهى بوكوفسكي روايته الأولى “مكتب البريد”، نشرت الرواية عام 1971.


مرحبًا جون:
شكراً على الرسالة الطيبة. لا أظن أنه يضر أن أتذكر أحيانًا من أين أنت. أنت تعرف الأماكن التي أتيت منها. حتى الناس الذين يحاولون الكتابة أو يخرجون أفلامًا عن ذلك، لا يفعلون بطريقة صحيحة. أنهم يسمونها “9 إلى 5″. وهي ليست مطلقًا 9 إلى 5، ما من فرصة غداء مجاني في تلك الأماكن، في الواقع، في العديد منها، لا تتناول الغداء، رغبة في الحفاظ على عملك. ثم هناك ساعات عمل إضافية، ولا يبدو أن الكتب تتناول الوقت الإضافي بشكل صحيح أبدًا، وإذا ما تذمرت بهذا الشأن، هناك مغفل آخر سيحظى بمكانك.
أنت تعرف ما قلته سابقًا: “لم تلغَ العبودية أبداً، تمت توسعتها فقط لتشمل جميع الأعراق.”
والذي يجرح هو الإنسانية المتضائلة بثبات عند هؤلاء الذين يقاتلون للمحافظة على الأعمال التي لا يريدونها لكنهم يخافون البديل الأسوأ. الناس تافهون ببساطة. إنهم أجساد بعقول طيعة وخوافة. اللون يغادر العين. يصبح الصوت بشعًا. والجسد. الشعر. الأظافر. الحذاء. كل شيء.
عندما كنت شابًا لم أستطع أن أصدق بأن الناس يمكن أن يقضوا أعمارهم في تلك الظروف. وكرجل مسن، لا يزال متعذرًا عليَّ تصديق ذلك. من أجل ماذا يفعلون ذلك؟ الجنس؟ التلفزيون؟ سيارة بأقساط شهرية؟ أو أطفال؟ الأطفال الذين سيفعلون نفس ما فعلوا؟
سابقًا، عندما كنت في ريعان شبابي وأتنقل من عمل إلى آخر كنت أحمقًا بما يكفي لأتحدث أحيانًا إلى زملائي العمال: ”هيه، يمكن للرئيس أن يدخل إلى هنا في أية لحظة ويطردنا جميعاً، بهذه البساطة، ألا تدركون ذلك؟” سوف يكتفون بالنظر إليَّ. كنت أطرح أمرًا لم يرغبوا في فهمه.
الآن في الصناعة، هناك تسريح لعدد كبير من العمال (معامل الفولاذ متوقفة، تغيرات تقنية في مصانع أخرى لأماكن العمل) مئات الآلاف يتم تسريحهم ووجوههم مصعوقة:
” أمضيت 35 سنة”
“هذا ليس صحيحاً…”
” لا أعرف ماذا أفعل…”
هم لا يدفعون أبدًا للعبيد ما يكفي كي يتحرروا، فقط ما يكفي للبقاء أحياء والعودة إلى العمل. يمكنني أن أرى كل هذا. لم لا يمكنهم أن يفهموا؟ حسبت أن مقعد المنتزه جيد، أو حسبت كوني من رواد الحانات جيدًا. لم لا أصل هناك أولاً قبل أن يضعوني هم هناك؟ فيم الانتظار؟
كتبت للتو ضد كل هذا بقرف، كان مريحًا أن أطرد الغائط من نظامي. والآن بكوني هنا، ما يدعونه كاتبًا محترفًا، بعد رمي خمسين سنة، وجدت أن هناك أشياء أخرى مقززة تتجاوز النظام.
أتذكر ذات مرة، عندما كنت أعمل حمالاً في شركة تركيبات الإضاءة، قال أحد الحمالين فجأة: ” لن أكون حرًا أبدًا”. كان واحد من الرؤساء يمر (كان اسمه موري)، وقد أطلق هذه القهقهة المبهجة، مستمتعًا بحقيقة أن هذا الرجل كان واقعًا في شرك الحياة.
لذا من حسن الحظ أني استطعت أخيرًا الخروج من هذه الأماكن، مهما طال الأمر، لا يهم فقد منحني هذا نوعًا من الفرح، فرح المعجزة المبهج. أنا الآن أكتب من عقل وجسد مسنين، في وقت متأخر قد لا يفكر فيه أغلب الرجال بمواصلة مثل هذا الأمر، لكن طالما أني بدأت متأخرًا جدًا، فأنا أدين لنفسي بالاستمرار، وعندما تبدأ الكلمات بالتداعي وعندما يتوجب عليَّ الحصول على المساعدة في صعود الدرج، ولا يعود بمقدوري أن أميز الطائر الأزرق من مشبك الورق، لا أزال أشعر بأن شيئًا فيَّ سوف يتذكر (لا يهم كم عانيت) كيف تخلصت من القتل والوجبة المشتركة والعمل الشاق، إلى طريقة كريمة للموت على الأقل.
ألا يضيع المرء حياته بأكملها، يبدو إنجازًا هامًا، على الأقل يبدو لي كذلك ..
فتاكَ
هانك

_____________________
* الترجمة للقديرة: إيمان لازار.

عدد المشاهدات : 906

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.