اقتباس وثمان قصائد | بوكوفسكي
سارة عبدالعزيز
الوحدة:
لم أكُن يومًا وحيدًا. كنتُ في غرفةٍ، شعرت برغبةٍ في الانتحار. كنت مكتئبًا. شعرت بشعورٍ مريع، مريعٍ أكثر من كل شيء، ولكنني لم أشعر يومًا بأن شخصًا آخر بإمكانه أن يدخل تلك الغرفة، ويُداوي ما كان يضيرني. أو أن أي عددٍ من الأشخاص بإمكانهم دخول تلك الغرفة وتحقيق ذلك. بصياغةٍ أخرى، الوحدة لم تكن يومًا شيئًا مزعجًا بالنسبة لي، لأنني دائمًا ما كنت أجد في نفسي ميلًا شديدًا للعزلة. في الحقيقة، عندما أكون في حفلةٍ، أو في مدرجٍ غاصٍّ بالناس المنشغلين بتشجيع شيءٍ ما، قد أشعر بالوحدة. سوف أقتبس إيسبن: “ أقوى الرجال، هم أكثرهم وحدة”. لم أفكر يومًا، “حسنًا، شقراءٌ جميلة ما، ستجيء إلى هنا، وتضاجعني، تداعب خصيتيّ، وسأشعر بشعورٍ جيد”. كلا، إن ذلك لن يعينني. تعرف الجمع المعتاد “واو! إنها ليلة الجمعة، ماذا ستفعل؟ تواصل الجلوس هناك؟!” في الحقيقة، نعم. لأنه ليس من شيءٍ في الخارج. إنّه غباء. الأغبياء يختلطون بالأغبياء. دَعهم يواصلون غباءهم. لم أشعر يومًا بالحاجة المزعجة للخروج ليلًا. اختبأت في النوادي، لأنني لم أرد أن أختبئ في المصانع. هذا كل ما في الأمر. أعتذر للجميع، ولكنني لم أكن يومًا وحيدًا. أنا أحب نفسي. أنا أفضل شكلٍ أملكه من أشكال الترفيه. فلنشرب المزيد من النبيذ!
١:
مرحبًا، ووداعًا
ليس هنالك من جحيمٍ مشابهٍ لجحيمك الخاص
لا يمكن أن يُقارن به شيء
متقلبًا في الفراش مساءً
مؤخرتك تتجمّد
رأسُك يشتعل
كل شيءٍ غبي، غبي
وأنتَ حبيس جسدك الضعيف
وحياتك الفقيرة
وكل ذلك ببطئٍ يتلاشى، يتلاشى نحو العدم.
مثل بقية الأجساد، مثل كلّ الحيوات.
يتم إقصاؤنا جميعًا،
يُقضى علينا،
بالمرض
بالاحتكاك بالأيام السيئة، والأيام الأشد سوءًا.
ليس هناك من مهربٍ من هذا
يجلب علينا أن نتلقاه
أن نتقبّله
أو مثل الكثير
أن لا نفكر فيه مطلقًا.
حذاؤك ترتديه، وتخلعه.
الإجازات تجيء، وتمضي.
مرحبًا
وداعًا
ارتدِ، اخلع
كُل، نم
قُد سيارةً
ادفع ضرائبك
اغسل إبطيك
وخلف عنقك
وقُم بدعْك ما تبقّى، بالتأكيد.
اختر كفنك مبكرًا.
تحسّس الخشب الناعم.
اختَر البطانة الناعمة الوثيرة.
سيمتدحُك البائع على ذوقك الرفيع.
ومن ثمّ أرهِبه
قُل له بأنّك تود تجربته للتأكد من كونه على مقاسك.
ليس هنالك من جحيمٍ مشابهٍ لجحيمك الخاص
وليس هناك من أحد
إطلاقًا
ليتشاركه معك.
الأمر سيانٌ ما إن كنت آخر شخصٍ
متبقٍ على هذه الأرض.
أحيانًا تشعرُ بأنك كذلك.
ولعلّك كذلك حقيقةً.
في هذه الأثناء، قُم بقطف النسيل من سُرّتك،
اقبَل ما هو كائن
احظَ بمضاجعةٍ من وقتٍ لآخر
صافح لا شيء على الإطلاق.
لطالما كان الحال كهذا، لطالما كان الحال كهذا.
لا تصرخ!
لم يتبقّ أحدٌ ليسمعك.
أشياءٌ غريبة.
أشياءٌ غريبة، هذه المُدن، الأشجار
أقدامنا تمشي على الأرصفة
الدماء بداخلنا تُشحِّم قلوبنا
العصور وأخيرًا تفرّقت
ريثما ترتدي جوربيك وترفعهما
فوق كاحليك.
٢:
على المجتمع أن يُدرك ..
تستشيرُ الأطباء النفسيين والفلاسفة
عندما لا تكون الأشياء على ما يرام
والعاهرات عندما تكون الأشياء كذلك.
العاهرات متواجدات للأولاد الصغار وللرجال الكبار
للأولاد الصغار يَقُلن:
“لا تكُن خائفًا، يا عزيزي. هاك، سأدخله من أجلك”.
وللرجال الكبار
يُمثلن بأنك قد أجدت صنعًا.
على المجتمع أن يُدرك قيمة العاهرات
أعني، تَينِك الفتيات اللاتي يستمتعن بعملهن
تَينِك اللاتي يجعلنه أشبه بنوعٍ من الفن.
أفكر في تلك المرة
في مبغىً مكسيكي
تلك الفتاة بوعائها الصغير وخرقتها
تغسلُ قضيبي،
انتصب، فضحِكَت، وضَحِكتُ
وقبّلَته، برفقٍ، وببطء
ومن ثم مَشَت، وباعدت ما بين فخذيها في السرير
فأخذتُ القيادة، وعملنا بسهولةٍ، دون جهدٍ
دون توتر
ورجلٌ ما طرق على الباب وصرخ:
“هيي! ما الذي يحدث بحق السماء؟! أسرِعا!”
ولكن الأمر كان أشبه بسيمفونيةٍ لماهلر
أنتَ ببساطةٍ لا تستعجلها.
عندما انتهيتُ، وعادَت
كان هناك الوعاء، والخرقة مجددًا
وضحِكنا كلينا
ومن ثمّ قبّلته برفقٍ وببطء
ونهضتُ وارتديت ثيابي
وخرجت.
“يا إلهي! مالذي كنت تفعلهُ بالداخل يا رفيق؟”
“أُضاجع”، أجبتُ الرجل المحترم
ومشيتُ عبر الرواق ونزلت من الدرج
ووقفتُ في الخارج على الطريق وأشعلتُ واحدةً من تلك
السجائر المكسيكية الحلوة على ضوء القمر.
متحررًا، وإنسانًا مجددًا
بمجرد ثلاثة دولارات
أحببتُ الليل، والمكسيك،
ونفسي.
٣:
لا علاج لذلك
ثمّة مكانٌ في القلب
لا يمكن ملؤه.
فراغ.
وحتى خلال أسعد اللحظات
وأعظم الأوقات
سنكون مدركين لذلك.
مدركين لذلك أكثر
من أي وقتٍ مضى.
ثمّة مكانٌ في القلب
لا يمكن ملؤه.
وسننتظر
ننتظر، في ذلك الفراغ.
٤:
وحيدًا مع الجميع
اللحم يُغطي العظام
ويضعون عقلًا هناك
وروحًا أحيانًا
والنساء يضربن بالمزهريات
الحائط كاسراتٍ إياها
والرجال يفرطون في الشرب
ولا أحد يجد الحبيب المنشود
ولكن الجميع يواصل البحث
والزحف من وإلى السرير.
لحمٌ يغطي العظام
ولحمٌ يبحث عن
المزيد من اللحم.
ليس هناك من أملٍ إطلاقًا:
نحن جميعًا حبيسو قدرٍ واحد.
لا أحد مطلقًا يجد
الحبيب المنشود.
مكبّات المدينة تمتلئ.
ساحات الخردة تمتلئ.
دور المجانين تمتلئ.
المستشفيات تمتلئ.
المقابر تمتلئ.
ولا شيء آخر
يمتلئ.
٥:
لا قادة، رجاءً
اخترِع نفسك، ومن ثمّ أعِد اختراعها
لا تسبح في ذات المستنقع مرارًا.
اخترِع نفسك، ومن ثمّ أعِد اختراعها
وابقَ في منأىً عن قبضة الاعتدال.
اخترِع نفسك، ومن ثمّ أعِد اختراعها
غيِّر من نبرتك ومظهرك بشكلٍ مستمرٍ
حدّ أن تُعجزهم
عن تصنيفك.
أعِد تنشيط نفسك
واقبَل ما هو كائن
شريطة أن يكون موافقًا لما اخترعته
وأعدت اختراعه.
كُن عصاميًا.
وأعِد اختراع نفسك، لأنّه يجب عليك ذلك:
إنّها حياتُك
وماضيها
والحاضر
منتميان فقط
إليك.
٦:
الديموقراطية
المشكلة، بالطبع، ليست في النظام الديموقراطي
إنها تتمثّل في الأعضاء الحيّة المكوِّنة للنظام الديموقراطي
الشخص القادم الذي ستلتقي به في الشارع
ضاعفه
أو ضاعفها
ثلاثة، أو أربعة، أو ثلاثين، أو أربعين مليون ضعفًا
ومن ثم ستعرف عندها
فوريًا
لِم تظلّ الأشياء غير مجديةٍ
لمعظمنا.
أتمنى لو كنت أملك علاجًا لقطع الشطرنج
التي ندعوها البشريّة.
لقد قاسينا كل عددٍ ممكن من
العلاجات السياسية.
ومع ذلك نظلُّ جميعنا
حمقى بما فيه الكفاية لنأمل
بأن القادم الآن، سيتمكن من معالجة كل شيء.
زملائي المواطنين
المشكلة لم تكن يومًا في النظام الديموقراطي،
المشكلة هي
أنتم.
٧:
أصدقاءٌ داخل العتمة
يمكنني أن أتذكر التضور جوعًا
في غرفةٍ صغيرة، في مدينةٍ غريبة
الستائر مسدلةٌ، أستمع إلى
الموسيقى الكلاسيكية،
كنت صغيرًا، كنت صغيرًا جدًا إلى الحدّ الذي كان يوجعني
كخنجرٍ بداخلي.
لأنه لم يكن هناك من خيارٍ سوى الاختباء
قدر ما أمكن
لا عن شفقةٍ ذاتية، وإنما عن قنوطٍ من فرصتي المحدودة:
في محاولة التواصل.
المؤلفون الموسيقيون القدامى، موزارت، باخ، بيتهوفن، براهام،
كانوا الوحيدين الذين تحدّثوا إليّ
وقد كانوا موتى.
أخيرًا، جائعًا ومهزومًا، كان عليّ أن أذهب
إلى الشارع ليتم إجراء المقابلات معي
لوظائف رتيبة ومتدنية الأجر
من قِبَل رجالٍ غريبين يجلسون خلف المكاتب
رجالٌ بلا عيون، رجالٌ بلا وجوه
يأخذون ساعاتي
ويحطِّمونها
ويتبولون عليها.
الآن أعمل لدى المحررين، والقُرّاء
والنُقّاد.
ولكنني ما زلت أمضي الوقت وأشرب مع
موزارت، باخ، براهام، وبيتهوفن
بعض الرفاق
بعض الرجال
أحيانًا، كل ما نحن بحاجةٍ إليه لنتمكن من الاستمرار وحيدين
هو الموتى
يطرقون الجدران
التي تحتجزنا بالداخل.
٨:
رقصة الحياة
المنطقة الفاصلة بين العقل والروح
تتأثّر بطرقٍ عدّة
من خلال التجربة.
البعض يخسرون كل عقلهم، ويصبحون روحًا:
مجانين.
البعض يخسرون كلّ روحهم، ويصبحون عقلًا:
مفكِّرين.
البعض يخسرون الاثنين، ويصبحون:
مقبولين.
_______________
- جميع النصوص، مترجمة لموقع وجود.
عدد المشاهدات : 2448
شارك مع أصدقائك
Comments are closed.