كل آهٍ لا تشبه أخرى

كل آهٍ لا تشبه أخرى

عبدالعزيز البرتاوي

 

1
في الطريق المنزوي
طرف سوق البلدة
ثمة أسماك وافرة
وباعةٌ ذو ألفاظ خشنة
ونظرات حادة
لا تناسب بشرتكِ.
هكذا هم البحارة
تقولين.
في السوق القديمة ثمة
أرطال هائلة من التوت
والفراولة النضِرة
فواكه كثيرة
بألوان آسرة
لكني لا أذكر منها
سوى الأحمر
وشفتاكِ
تنسيني كل ذلك.

 

2
أنتظر طعامي
وأكتب ٣ قصائد
على طرف المنيو
في مديح شفة النادلة.
أنتهي من طعامي
واكتب قصيدة واحدة
على طرف الفاتورة
في شتم الحكومة.
الحكومة لا تستحق أكثر
من قصيدة واحدة.

 

3
في أكبر مطعم
في المدينة.
هذا النادل
جائع، وحزين.

 

4
أتأمل المنيو
وفرة هائلة
وحيرة.
في السجن
لكم يبدو الأمر مملّا
وأنت تأكل تكرارًا
ما لا تختار.

 

5
تنظر إليَّ النادلة
بحقد عاتب
ماذا أخربش
على قائمة المطعم
أكتب هذا المقطع
لحقد عينيها
الجميلتين.

 

6
قال لي صديق
أن ثمن وجبة
في مطعم
ليس بفارهٍ
لكنه جيّد
يساوي ما يعيل
أسرة عربية
في دولة
يقول كتاب
جغرافي قديم
أنها شقيقة.

 

7
الفتاة الصغيرة
في زاوية المقهى
تشرب ماءً كثيرًا
وتذهب إلى
الحمام أكثر.
الفتاة الصغيرة
تبتسم للعابرين
بسهوم
وحين تستفيق
تذهب إلى دورة المياه.

 

8
ليس لديّ جدول لهذا اليوم
لا معالم أخرى في المدينة
لا فتيات
لا مكتبات
لا مزارات سياحية
ولا أضرحة للتأمل
أقعد في مكان
وأكتب قصيدةً
داخل نفسي.

 

9
أكتب قصائد
لأنجو.
في مجاز القصيدة
ما يحيّر رقيب الحكومة
والأمر الأجمل:
الحكومة لا تقرأ
الشِّعر، ولا تطيق.

 

10
طلبني أبي
أن أكتب قصيدتين
في مديح جارنا
كانت له ابنة
جميلة كالرمان صيفًا
وأقسم جارنا بعد
أن قرأها
أن يقتلني
لو رآني أمام البيت.

 

11
أقعد وحيدًا
وأسلّي نفسي
بشتم العابرين.
يا لهذه الوحدة
لم ينج أحد من صمتي.

 

12
يا لهذه الكلمات
تتزاحم لتكون قصيدة.
يا لهذه التنهدات
تتزاحم لتكون نايًا.

 

13
هذا رقمي المقدس
لا كتابة هنا
سأعوّضه عن كل
هذا الشؤم
عن محوه في المصاعد
وردهات الفنادق
وعن خوف الحمقى منه.

 

14
هه، تفكرين: فلتقل:
هذا ما يشبهكِ بدرًا
قبل البدء في العرجنة.
كلا، على القمر
أن يحاول
التشبه بك.

 

15
يشبه الفكة التي
منحتني أمي صغيرًا
لكي اشتري بها تزاويق
للفصل الدراسي.
كان الأمر قبيحًا
ولا يمكن تجميله
بخمسة عشر ريالا.

 

16
باكرًا في المدرسة
أعطاني المعلم واجبًا:
كتابة حزمة قصائد جيدة
في فضل الحكومة.
كان ذلك أشقّ واجب
لم أقم به.
أخبرته أني مريض
ثم أمتُّ جدتي
وأصبتُ عمي
بجلطتين في القلب
ثم اضطررت للتغيُب
يوم الحفل
وحين عدتُ لم أتحدث
معه بكلمة
كتبت له في ورقة:
لقد أصبحت أبكمًا
منذ يومين.

 

17
في مدينة بعيدة
شمال العالم
جنوب ألاسكا
مدينة حلوة جدًا
وكل جنوب حلو
بدءًا من جنوب فانكوفر
وانتهاء بجنوب سرتك.

 

18
شارع صغير
وردٌ على النافذة
رجل يدخّن
وامرأة تتلو شتائمها.

 

19
لسهومكِ اللحظة
تفكرين:
ماذا تفعلين
بكل هذه الوحدة؟
(إلى نوف)

 

20
حلوة تدندن مع
أغنية المقهى
يبتسم لها النادل
تنتهي قهوتي.

 

21
قالت لي أمي:
يجب أن احترس
من الشرطيّ واللص
على السواء.
كلاهما سيوقع بي الأذى
قلت لأمي:
وما الفرق بينهما؟
اللص يؤذيك
ويهرب. قالت
الشرطي يؤذيك
ويتبعك.

 

22
كتبتُ قصائد كثيرة
لكني لم أجد أحدًا
يقرؤها.
قلت ذلك لأمي
قالت:
لتبتع لنا خبزًا
ساخنا يا ولد
ليس كخبز البارحة البارد
أو قصائدك التي
لا يقرؤها أحد.

 

23
في مديح التي
لا يمدحها أحد.

 

24
لماذا خُلق الشِّعر
إن لم يكن لاثنتين:
مديح الصبايا
وهجو الحكومة؟

 

25
آه اللذّة
لا تشبه آه الألم.
لكنهما قد تجتمعان.

 

26
يا لتلك الصباحات
التي أمضيتها
أتلو “حكمة اليوم”
في إذاعة المدرسة
لو طبقت ربع
ما كنت أتلو
لتركت المدرسة.

 

27
كنا صغارًا أشقياء
وكانت جارتنا
تحذر أبناءها الذكور
من اللعب معنا
كانت ابنتها لا
تسمع كلامها
وكنت أخبرها
أن عليها أن تفعل.

 

28
كنت أعرف غرفة
مدير المدرسة
أكثر من فصلي
أذكر تفاصيله
الدقيقة والكئيبة
أمضيت نهارات
مديدة ثمة
الصور الكبيرة
معلقة فوق رأسه
تتغير سنوات الدراسة
ولا تتغير
كانت تلك السنوات
التي تتغير فيها مناهج
التعليم في العالم
ولا يتغير الملك.

 

29
غيمتان تعبران المدينة
يشبه ذلك عمري
أول شمسٍ
وأتلاشى.

 

30
عاشقان في المقهى
يكذبان على بعضيهما
بنعومة عشقٍ جديد.

 

31
أفكر في عائلتي
الكثير من الضحك
الهائل المعلن.
الكثير من البكاء
الكارثي المكتوم.

 

32
منذ دخلت المقهى
قتل البطل الأميركي
على شاشة الفيلم
ثمانين شخصًا.
منذ دخلت المقهى
قتل السافل الأميركي
على شاشة الحقيقة
ما لا يمكن عدّه.
هذا بلد مخلوق للقتل.

 

33
في المطار
جنديّ يصافح ممثلا
شهيرًا، لأفلام الحركة.
يأخذان لقطة سوية
القاتل الممثل
والقاتل الحقيقي.

 

34
هههه
يا للعنة
عمري.

 

35
عليّ الذهاب
لمقهى آخر
ملّت النادلة مرآي
ولا أملك ثمن فندق.

 

36
هههه
يا للكارثة
عمري
بعد عامين.

 

37
امرأة تنزّه كلبيها
وتشتم رجلًا مخفيًا
الكلبان يركضان
تبعًا لإيقاع شتائمها.

 

38
ظهيرةً، جنوب
لوس أنجلوس
واقفًا على قبر
بوكوفسكي
أتأمل حياته
كيف
انقضت هكذا
بين قبرين:
قبر عجوز ثمانينية
وقبر جندي قُتل
في العراق.
هذا ما أمضى
بوكوفسكي
كل حياته
ليلعنه.
لكم تبدو الآن
“لا تحاول”
تافهةً ومعبرةً
في الآن نفسه.

عدد المشاهدات : 4007

 
 

شارك مع أصدقائك

One Comment