المرأة بوصفها شيئًا
ريم الفضلي
إلى عروس السماء، إلى سارة الشريف.
***
بالمجتمع هناك عميقا، كلمة رجال، وهناك كلمة حرمة. هناك تصرفات تقدّمك كرجل، وتصرفات تقدمك كبنت -مائعة غالبا. من العيب والعار أن يبدو الأولون بمظهر التالين. من المحتمل أن يكون التسلل للفريق الآخر شرفا ورجولة، وقد يكون نقص أنوثة، لا أحد يعرف ما الإسباغ القادم.
هناك من يستنفر من الحديث عن حقوق المرأة، بدعوى النفور من الخطاب النسوي، من لا ضرورته، من آفات الأمثلة الموجودة بالمطالبة بحقوق النساء. الحقيقة يا رجل، أن لا تحتاج لخلفية نسوية، لا لأي شي. تحتاج لأن تكون صافيا بالمقام الأول. حق العيش بكرامة للنساء في المملكة العربية السعودية، حق ناقص ومستلب وغير موجود، وقديم. يشبه حقوق الإنسان برمته في هذا البلد، إنما أدنى. حق المرأة، كحق الفقراء والعمال والأطفال والمهمشين، وكل الفئات الاجتماعية التي لا تملك القوة، وباستطاعة الفئات الأخرى فرض القوة عليها بسهولة.
الصورة القادمة في رأس العالم عن وضع المرأة في السعودية، أنها لا تقود السيارة، وهذا لا يتكرر إلا ربما في أفغانستان. قيادة المرأة، هي القضية الدائمة، التي تجد آثارها على السطح، وفي أعمق مفاصل استقلال المرأة واحترام خياراتها.
ربما أن البلد جيدة بكيت وكيت، لكن إذا جئت لوضعها مع المرأة، فإنها مفصلة بمقاييس رجل دين لم يعرف إلا أفق رجل دين واحد، ولم يعرف أي فكر آخر. رجل الدين الذي وفق هواه وتدبيره بإمكانه قلب تصميم مركز تسوق كامل وفق آرائه ومنشوراته وفعالياته وسواتره.
جميع النساء يخرجنَ بعباءة في هذا البلد، بعباءة ساترة، لا يوجد عباءة بلا أكمام، لا يوجد عباءة إلى الركبة. رغم هذا، أمكنة النساء مخيفة ومستّرة ومعزولة كلية عن الخارج، كل مقاهي العالم ومقاهي الرجال بالسعودية، تستقي فكرة الانفتاح ومشاهدة الخارج والآخرين، أمكنة النساء معتمة ومركونة، تشبه الحرام. ليست فكرة حلال تماما، أن تود امرأة بالمملكة السعودية، الترويح عن النفس. فكرة مشيطنة تماما، رؤية المرأة في الأماكن العامة. فوق ذلك، هناك الهيئة الحكومية، التي تهش المرأة، كعمل حكومي، كأن يقول للجالسات بالمقهى، الساعة الثانية عشرة ظهرا: “روحي بيتك”، أن يتطفل ويحقق فجأة: مع من جئت إلى هنا؟، أنت تستغرب هذا، أنت إذن لم يقل لك عضو هيئة: “تغطية الوجه من دستور السعودية”. الهيئة وظيفة للذكور فحسب، وهذا يختصر الحكاية.
المتطوع لا يحب المرأة غالبا. مشغول بها، مشغول بإخفائها، المعنوي والحقيقي. دينه حرية شخصية. لكن آراؤه الفقهية الضيقة، يجب أن تنزل بصرامة على جميع النساء الأخريات. المرأة في حديثه العام، محل أسئلة وقواعد فقهية: هل يجوز لها عباءة الكتف، ما مضار ظهور عينيها، يجب أن لا تتولى منصبا، يجب أن لا تختلط، يجب أن لا تتحدث، يجب أن لا تتشبه. يتذاكر دائما فضائل الصبر على تربية المرأة. إذا هزل، يأتي بنكات فصيحة عن غيرة النساء في الزواج من ثالثة، عن حماقة النساء، عن ما يدل على نقص دينها وعقلها، على إثبات ذلك. أين هي المرأة في حياته؟ لا أحد يعرف. موجود دائما في كل مكان، يضع صورة له بشكل يومي مبتسما، من جميع الوسائل، لديه المئات من الأصدقاء، يدور أقاصي البلدان ذات الماء والخضرة والوجوه الحسنة.
تجده في كل مكان، يتحدث عن كل شيء، لكن لا تجد أي شيء مختصا بالنساء الحقيقيات في الجانب الواقعي من حياته. في الأماكن العامة – إذا كان يسمح بمخالطة الرجال – فإنها معه مغلّفة تماما، لا تجوز لها الرؤية، إلا إذا كانت ترتدي نقاب “أراك ولا تراني”، وهذا يجعلها ترى أرضية المول جيدا. يمنعها من التحرك، أو التحدث مع الباعة عن أي شيء، يقوم بجلب كل شيء، يذهب إلى الناحية الأقصى من المطعم، يجلب ساترا صادا، ويجعلها تشاهد الجدار ووجهه. يحلف عليها إذا كانت في أماكن عامة بدونه، أن لا تفعل كذا وكذا، أن تكشف حين الأكل مثلا، لأنه يعرف قصة عن نادل منحرف كان يملك كاميرا احترافية، ويصور النساء الكاشفات، من عند آلة المحاسبة البعيدة. لقد حدثه رجل هيئة بهذا.
في الشارع، يمد المتحرش لسانه ويده للمرأة. في تويتر، يمد المتثقف معرفته وشهوته للمرأة. التشييء الجنسي للمرأة. تتوقف المرأة عن كونها إنسانا، لتستحيل شيئا، تُفصل أعضاء المرأة عنها، لتصبح حديثا عاما، يتقلص الإنسان فيها، لتعمل كما لو كانت منظرا جامدا، لك حق مدحه وتقويضه على السواء.
كانت العرب تغرق حسيا، تهيم معنويا، في وصف عشيقاتهن الحقيقيات المعروفات. جاء العرب الآخرون، سليلو المرأة الرمز، المرأة الدرة المصونة، والوردة اليانعة، والملكة والحَمل الوديع، والسمكة والذبابة والحلاوة، والفراشة في شرنقة، سوق يومية الآن، العرض متنوع لأي امرأة غريبة، دون أي مشاعر، لكن باشتهاء جنسي مجرد. أن تكون المرأة موضوعا، محل مفوضية للحكم على أمم النساء، مفككا اللون والطول والجسم والمظهر وكمية الاستدارة والركبة والسلوك المصاحب. قدر المرأة الدفاع، أليق بخطط السلام، لا وحشية الهجوم، لم تصنع قضية شهيرة من البطن غير المقسّم. يسقط التفكير المظهري. وكل أفاعيل مظهره، وفكره، وغروره، صنيعة يده.
على المستوى الأعلى؛ الدولة تقول لذكور هذا الوطن، لديك حق فوقهن. من ترعى وتحافظ على الهرمية في العلاقات بين الجنسين. الدولة لا تترك خيارا. الدولة تحث ذكورها على تصريف شؤون إناثها، تباركه، تقننه، تصمم جميع إداراتها وقراراتها بناء على هذه الشكلية. من يسلب إرادة وحرية المواطنة الأساسية، هي الدولة أولا.
في العالم الآن وصلوا مراحل مختلفة من ملاحظة التمييز ضد المرأة، هناك نقاش لفروق الرواتب، والحصول على الترقيات، ومقارنة عدد CEOs من الرجال والنساء، والقلق انه قد ينتج من التمييز الجنسي. هناك مراكز أبحاث للدراسات النسوية، هناك تخصصاته، شهادات دكتوراه، رصد لمظاهر كره النساء في الانترنت، الأدب، الفن. هذا متقدم.
نحن نطالب بأحقية أن تذهب المرأة إلى جهة حكومية، دون أن يقول لها: أين معرفك؟. لا يمكن للمرأة التحرك من دون إقرار الرجل. أريد هوية وطنية، أين محرمك، أنا أريد أن يكون لي بطاقة، الأمر بسيط، إن الرجال في عائلتي لا يعتبرون هذا أمرا هاما، من الممكن لأخي أن يحضر الآن، ليس لدينا مشاكل عائلية، هذا جوازي، واسمي متوسطا أفراد عائلتي، وأوراق ميلادي، لي تقاسيم أرضنا، وملامح جداتي الضاربات في الحياة والتعب، أنا أكثر حقيقة من هذه الوثائق، أنا إنسان قادر بالغ عاقل، مسالم، يحب الوطن، لا تطارده الجهات الأمنية، مواطن حقيقي لم يكذب من قبل. انظري إلي، الأخت لا تنظر. الأخت تقول أختي هذه التعاليم.
السيناريو الوطني المعتاد لتعثير وتكبيل المرأة يصبح قاهرا أكثر للسيدة التي لا يود معرفها الحضور، لقضاء شؤونها، للزميلة التي والدها المنفصل، يحترف تعطيل جميع القرارات اللي تتعلق بالعمل والزواج وتجديد الوثائق والكثير من الحياة. للأخرى التي هرب سائقهن فجأة، واضطرت لأخذ إجازتها السنوية في المنزل، ريثما يتم التنقيب عن سائق.
السيدة ث عاطلة من العمل ليس لأنها لا تريد، وليس لأنها لا تملك الكفاءة، لكن جميع الوظائف التي أتيحت لها، أخاها السيد فضيحة لا يريدها أن تعملها. السيدة ي اعتذرت عن حضور وليمة صديقاتها، السيد نوم غيّر خطتها. السيدة د ماطل السيد بخل بإيداع نفقتها الشهرية. السيدة ر تملك قبولا جامعيا من جامعة عريقة، السيد سهرة، نجم ليالي اندونيسيا، لا يوافق على فكرة خروج امرأة للابتعاث. السيدة م تحلم بالحصول على شهادة أكاديمية من الخارج، جميع محارم أسرتها لا يستطيعون مرافقتها، قوانين الوزارة المتنورة لا تسمح بالذهاب لحلمها.
لقد تحدثتُ بسطحية. الغور أصعب من أخذ نزهة على نزيفه. من كل شيء تبدأ الحكاية، لصيانة المرأة الشيء، للاقتحام بإرادتها، لتجاهلها. من موعد الانصراف الموضوع لجامعيات هذا البلد، حتى استطاعة القبيلة قاطبة التدخل بقرار شخصي لامرأة منها. لا يتطلب الأمر حصول مصيبة للمرأة، كي تعرف المأساوي في حياتها. قِس المسافة بين ما كانت تريد، وما سُمح لها، بين ما كانت تحلم، وبين الذي تعيش. دعِ المرأة تجيبك عن ممن تخاف، مَن في دائرتها قد يكون تهديدا. المأساوي يطلّ في اليومي المعتاد.
الحكاية لا تُسمع دائما. من السهل لسيدة من الطبقة الثرية أن تحدثك عن عزم القيادة لتمكين المرأة وتلكؤ المجتمع. اسمعِ الحكاية من عاطلة بالإكراه، من معنفة في دار الرعاية، من بائعة على الرصيف، من التي تنتظر سيارة في ظل السور القصير ظهرا، مِن مَن تعرف مذاق القهر، كيف يبدو، ولماذا يجيء، لا لشيء، إلا لأنها أنثى داخل هذه الحدود الجغرافيّة. اسمع الحكاية من عند ذروتها، عند سارة الشهيدة، وصلِّ، صلِّ على الألم.
عدد المشاهدات : 7245
شارك مع أصدقائك
8 Comments