نفسك ليست صديقتك | تايسون

نفسك ليست صديقتك | تايسون

مدير التحرير

في البداية عندما كنت أذهب الى بيت كوس، لم نكن نمارس الملاكمة. بعد خدمة التدريب مع تيدي، كان يجلس قبالتي ونتناقش. كان يكلمني عن المشاعر، الانفعالات، وعن فلسفة الملاكمة. كنا نتكلم كثيراً عن البعد الروحي للمعركة.

“نفسك ليست صديقتك يا مايك. آمل أن تعرف ذلك. عليك أن تناضل ضد نفسك، تراقبها، تروضها. عليك أن تتحكم بانفعالاتك. التعب على الحلبة: 90 في المئة نفسيّ. إنه غدر الإنسان الذي يريد أن ينسحب. عشية المعركة لن تنام. لا تقلق، ومنافسك لن ينام أيضاً، يبدو أنه أكبر وأهدأ منك، لكنه من الداخل، يحترق خوفاً. مخيلتك تعطيه طاقات لا يمتلكها. تذكر: الحركة تبطل التوتر. ما أن يقرع الجرس، وتبدأ المعركة، يبدو لك منافسك فجأة إنه رجل مثل باقي الرجال، لأن مخيلتك تكون قد هدأت. المعركة هي الحقيقة الواحدة التي تهم. عليك أن تتعلم كيف تفرض إرادتك، وتتحكم بهذه الحقيقة”. كنت أستطيع أن أصغي الى كوس ساعات. فهو كان يركز على أهمية التحرك بطريقة حدسية، بتجرد واعتدال، لمنع الانفعالات والعواطف إفساد معارفك الحدسية. ذات يوم راح يتكلم عن الكاتب الكبير نورمان ميلر. كوس، كما هو غير معروف، يمارس “الزن” في فن الفروسية لرماية القوس. وغالباً ما كان كوس، مقاطع من هذا الكتاب.

خلف القضبان

بين اتهامي بالاغتصاب (عام 1992)، وتنفيذ الحكم، أمضيت ستة أسابيع في السفر عبر البلاد. استفدت لتمضية وقت جميل مع صديقاتي الصغيرات. كانت هذه طريقتي لوداعهن. حيثما ذهبت كان هناك نساء حولي:
ـ هيا تعال. لن أقول أنك اغتصبتني، ليس هناك ما تخشاه معي. يمكن حتى أن تصوّرنا إذا شئت.
في الواقع، كانت تلك طريقة للقول لي: “أنت بريء، ونحن نعرف ذلك”. لكن ما كنت أفهم. مجروحاً، كنت أصدّهن بقسوة. حتى عندما كنّ يسعَين الى مواساتي، كنت ولداً جاهلاً، مجنوناً، ومراً، كان يحتاج بطريقة مرعبة الى أن يكبر. غضبي لم يكن مفهوماً. في الخامسة والعشرين، كدت أمضي ست سنوات في السجن عن جرم لم أرتكبه. لكن دعني أقول لك ما سبق أن رددت في مناسبات عدة. أمام هيئة المحلفين أثناء المحاكمة، وأثناء إصدار الحكم، أثناء جلسة إطلاقي، بعد خروجي من السجن، وهذا ما سأقول حتى نهاية عمري: “أنا لم أغتصب ديزيريه واشنطن. هي تعرف ذلك، والله يعلم، ولا بد أنها ستعيش مع نتائج أعمالها بقية حياتها. مدير أعمالي، دون كينغ، كان يردد عليّ طيلة النهار، إنني سأبرأ. وقد كلّف فينس فولر المحامي بالدفاع عني لقاء مليون دولار. وكان فينس، في الواقع، يسدد الضرائب لدون. ولا بد من أنه ما زال مديناً له بالمال، لكن منذ البداية، عرفت أن العدالة لن تطبق. فمحاكمتي لم تكن في نيويورك أو لوس أنجلوس، بل في إنديانا بوليس، في إنديانا، حيث أحد المعاقل التاريخية لكوكلوكس كلان، القاضية باتريسيا جيفوان متخصصة بالجرائم الجنسية، عيّنت “قاضية المقصلة”. وقد وجدتني المحكمة مذنباً، من خلال لجنة مؤلفة من أعضاء بيض عدة وعضوين أسودين.

***

أرى نفسي لا نظير لي. كنت أصغر بطل في العالم من الوزن الثقيل في تاريخ الملاكمة. كان أسلوبي عنيفاً وحاداً، ودفاعاتي لا تخترق، ومزاجي المتوحش. لكن، بعد الدعوى، فهذا الإله بين البشر ذهب صاغراً الى المحكمة لسماع الحُكم. وكنت على درجة كبيرة من العجرفة أثناء الجلسة بحيث أن كل الحظوظ بالنجاة بدت مستحيلة، وعلى الرغم من جهودي اليائسة، لم يكن في داخلي أي ذرة من التواضع. وقد أودعت في مركز أنديانا، وهو سجن مخصص بالمجرمين بين الدرجتين الثانية والثالثة. ومشوار الطريق المؤدي الى هذه الأجهزة أصابتني نوبة من الغضب الشديد، كنت أريد أن ابصق في وجوه أبناء الغانيات. هذا غريب. لكن لزمني وقت ما لأفهم ان هذه القاضية البيضاء التي ارسلتني الى سجن قد انقذت حياتي.

المخدرات

ذات مرة في الايكوس كان كل شيء ترتب: فالمباراة ستقام في غلاسكوي، وكان لي استقبال خاص قبل المعركة، تناولت كوكاكيين وقليلاً من الحشيش. فالكوكاكيين ليس مشكلة، لأنه يخرج من الجسم فور تناوله. أما الحشيش الذي بقي في الداخل، فقد كان عليّ أثناء الفحص استعمال قضيب مزيف نضعه، حيث بول شخص ما، بدلاً من آخر، المباراة ضد غولوتا كانت محددة في 20 تشرين الأول في ديترويت. أصابني عشية المباراة توتر. عندما رأيت غولوتا شخصياً بحجمه، فدب فيَ الذعر. كان ضخماً ومريضاً، بحدبات ضخمة عديدة حمراء في ظهره، من كثرة تناول الهرمونات كأنه مصاب بالجذام فقلت في نفسي “ماذا افعل هنا لأقاتل هذا العملاق؟” ولم أكف عن توجيه الأسئلة الى نفسي في سريري، اثناء محاولتي النوم. عندها اشعلت واحدة ومن أول شفطة تغير كل مزاجي “سأستفزه، هذا الحقير”. وعشية المباراة رفضت الخضوع لفحص البول، وقلت لن يكون أمامي سوى استخدام القضيب المزيف لاحقاً. “يفوز تيسون بالمباراة”.
بعد شهر تقريباً من الانتهاء من الشغل على كتابي، في نيسان 2013، أصبت بانتكاسة هي الأولى منذ كانون الثاني 2010. خرجت ذات مساء وتناولت كاساً ثم أخرى ثم أخرى. ثم تناولت بعض الحشيش لتهدئتي. شعرت بالخجل عند عودتي الى البيت، حيث كانت تنتظرني كيلي والأولاد. ولكن ليس الى درجة يجعلني الخجل أمتنع عنه تكرار هذا الخطأ مرات عدة في حزيران وتموز، ثم وفي شهر آب، قبل المباراة الأولى، سقطت من جديد (…) أنا ابن عاهرة. ارتكبت كثيراً من الأعمال الشنيعة وأرغب في أن يُغفر لي. أرغب في سلوك حياة صارمة. لست راغباً في الموت. فأنا على حافة الموت، لأنني مدمن كحول منحرف.

 

____________________________________________________

مقاطع من الكتاب الذي سيصدر بعد يومين في باريس: “الحقيقة ولا شيء آخر”، لبطل العالم السابق، الأسطورة “مايك تايسون”. 50 انتصاراً، وإدمان كحول ومخدرات. نشرت بجريدة المستقبل.

عدد المشاهدات : 633

 
 

شارك مع أصدقائك

Comments are closed.